Sirat Muluk Tabacina
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Genres
واسمع كلامي وأجل الصدود.
وخلال تصاعد تلك الحمى المستعرة بالغناء والإنشاد للإعلاء من شأن الجليلة بنت مرة ومحاسنها، كل ليلة على بوابات وأعتاب قصر التبع، لم يجد الوزير الحكيم «حنظلة» منقذا لإعادة اجتذاب اهتمامات الملك لشئون حكم تلك البلاد المترامية الأطراف.
ومن هنا تزايدت المشاكل، متراكمة بلا حلول، سواء على طول ربوع بلاد الشام، أو ما يستجد من صراعات في اليمن وجنوب الجزيرة والسودان والقرن الأفريقي.
بل إن التبع آثر تكثيف وقته بكامله للاستعداد لإقامة عرسه المرتقب وتلبية رغبات العروس التي لا تنتهي، فهي لم تعد مقصورة على الهدايا وإقامة القصور والبساتين وشق الطرق، بل تعدت كل هذا لتصل إلى أخص خصائص الحكم ذاته، بتعيين مقربيها على طول المدن والثغور والبوادي والحصون، إلى درجة دفعت بالوزير «حنظلة» إلى التساؤل الملح، عن أحقية تلك المرأة في مد وإرساء أصابعها العشرة في كل شئون الحكم، وهي ما تزال بعد خارج جنبات هذا القصر - الحاكم - تساءل: ترى ما الذي ستفعله يوما، حين تتربع على هامة عرش التباعنة؟
من يدري، بل من يمكن له مجرد النطق بأهوال الكارثة المنتظرة المخيمة التي ستحل على رءوس الجميع.
غمغم الوزير لنفسه متحسرا: من يدري بأبعاد وأهداف سيطرة بني مرة عن طريق تدعيم رجالهم وأعوانهم على طول البلاد وعرضها، ثم ذلك الفشل الذي مني به التبع والجميع على مدى الشهور الأخيرة، لاستطلاع ما حل بخطيبها السابق. - كليب بن ربيعة!
ذلك اللغز الكبير الذي تقطعت أخباره على حين غرة، فلم يعد اسمه الذي لم يكن لينقطع له دوي يسمع أو ينطق به أي لسان. - ما الذي يحدث في الخفاء؟
على هذا النحو واصل الوزير «حنظلة» طرح تساؤلاته بينه وبين نفسه، دون أن يفصح عنها للتبع حسان لا من قريب ولا من بعيد بعد أن أعيته كل الحيل في تبصيره، بما أصبحت حقا تخبئه الأيام والليالي، على حد قول تلك الأميرة المقتولة: زرقاء اليمامة.
وهكذا أعطى الملك حسان سمعيه - وقبل كل شيء - لكل من يجيئه بأخبار الجليلة ورجاحة عقلها وشعرها ومعلقاتها المتداولة عنها، حتى إذا ما كتبت تخاطبه مرة، أطارت صوابه برصانة شعرها وموسيقاه، والأدهى من ذلك صوتها ومدى نقائه وطلاوته، كما حدثه بهذا الجميع:
مقالات الجليلة بنت مرة
Unknown page