بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَآله
سَنَد الْمُؤلف
قَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم حَدثنِي أبي عبد الله بن عبد الحكم قَالَ حَدثنِي مَالك بن أنس وَاللَّيْث بن سعد وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الله بن لَهِيعَة وَبكر بن مُضر وَسليمَان بن يزِيد الكعبي وَعبد الله بن وهب وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم ومُوسَى بن صَالح وَغَيرهم من أهل الْعلم مِمَّن لم أسم بِجَمِيعِ مَا فِي هَذَا الْكتاب من أَمر عمر بن عبد الْعَزِيز على مَا سميت ورسمت وفسرت وكل وَاحِد مِنْهُم قد أَخْبرنِي بطَائفَة فَجمعت ذَلِك كُله
حِكَايَة عمر بن الْخطاب مَعَ الْهِلَالِيَّة وتزويج ابْنه اياها
فَكَانَ مِمَّا ذكر من ذَلِك أَن عمر بن الْخطاب ﵁ نهى فِي خِلَافَته عَن مذق اللَّبن بِالْمَاءِ فَخرج ذَات لَيْلَة فِي حَوَاشِي الْمَدِينَة فَإِذا بإمرأة تَقول لإبنة لَهَا أَلا تمذقين لبنك فقد أَصبَحت فَقَالَت الْجَارِيَة كَيفَ أمذق وَقد نهى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن المذق فَقَالَت قد مذق النَّاس فامذقي فَمَا يدْرِي أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَت إِن كَانَ عمر لَا يعلم فإله عمر يعلم مَا كنت لأفعله وَقد نهى عَنهُ فَوَقَعت مقالتها من عمر فَلَمَّا أصبح دَعَا عَاصِمًا ابْنه فَقَالَ يَا بني اذْهَبْ إِلَى مَوضِع كَذَا وَكَذَا فاسأل عَن الْجَارِيَة ووصفها لَهُ فَذهب عَاصِم فَإِذا هِيَ جَارِيَة من بني هِلَال فَقَالَ
1 / 23
لَهُ عمر اذْهَبْ يَا بني فَتَزَوجهَا فَمَا أحراها أَن تَأتي بِفَارِس يسود الْعَرَب فَتَزَوجهَا عَاصِم بن عمر فَولدت لَهُ أم عَاصِم بنت عَاصِم بن عمر بن الْخطاب فَتَزَوجهَا عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم فَأَتَت بعمر بن عبد الْعَزِيز
وَأَخْبرنِي اللَّيْث بن سعد أَنه كَانَ يُقَال الفراسة فراسة الْعَزِيز فِي يُوسُف النَّبِي ﵇ حِين قَالَ ﴿ائْتُونِي بِهِ أستخلصه لنَفْسي فَلَمَّا كَلمه قَالَ إِنَّك الْيَوْم لدينا مكين أَمِين﴾ وفراسة عمر بن الْخطاب فِي الْهِلَالِيَّة حِين قَالَ لوَلَده تزَوجهَا وَالله ليوشكن أَن تَأتي بِفَارِس يسود الْعَرَب فَأَتَت بعمر بن عبد الْعَزِيز وَأَخْبرنِي من أرْضى عَن اللَّيْث أَنه قَالَ وفراسة سُلَيْمَان بن عبد الْملك فِي عمر بن عبد العزيزحيث قَالَ وَالله لأعقدن عقدا لَيْسَ للشَّيْطَان فِيهِ نصيب فعقد لعمر بن عبد الْعَزِيز
واستيقظ عمرمن نَومه فَمسح النّوم عَن وَجهه وفرك عَيْنَيْهِ وَهُوَ يَقُول من هَذَا الَّذِي من ولد عمر يُسمى عمر يسير بسيرة عمر يُرَدِّدهَا مَرَّات
خُلَاصَة سيرة عمر بن عبد الْعَزِيز قبل الْخلَافَة
وَولد عمر بن عبد الْعَزِيز بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا شب وعقل وَهُوَ غُلَام بعد صَغِير كَانَ يَأْتِي عبد الله بن عمر كثيرا لمَكَان أمه مِنْهُ ثمَّ يرجع إِلَى أمه فَيَقُول يَا أمه أَنا أحب
1 / 24
أَن أكون مثل خَالِي يُرِيد عبد الله بن عمر فتؤفف بِهِ ثمَّ تَقول لَهُ اغرب أَنْت تكون مثل خَالك تكَرر عَلَيْهِ ذَلِك غير مرّة فَلَمَّا كبر سَار أَبوهُ عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان إِلَى مصر أَمِيرا عَلَيْهَا ثمَّ كتب إِلَى زَوجته أم عَاصِم أَن تقدم عَلَيْهِ وَتقدم بِوَلَدِهَا فَأَتَت عَمها عبد الله بن عمر فأعلمته بِكِتَاب زَوجهَا عبد الْعَزِيز إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا يَا ابْنة أخي هُوَ زَوجك فالحقي بِهِ فَلَمَّا أَرَادَت الْخُرُوج قَالَ لَهَا خَلْفي هَذَا الْغُلَام عندنَا يُرِيد عمر فَإِنَّهُ أشبهكم بِنَا أهل الْبَيْت فخلفته عِنْده وَلم تخَالفه فَلَمَّا قدمت على عبد الْعَزِيز اعْترض وَلَده فَإِذا هُوَ لَا يرى عمر قَالَ لَهَا وَأَيْنَ عمر فَأَخْبَرته خبر عبد الله وَمَا سَأَلَهَا من تخليفه عِنْده لشبهه بهم فسر بذلك عبد الْعَزِيز وَكتب إِلَى أَخِيه عبد الْملك بن مَرْوَان يُخبرهُ بذلك فَكتب عبد الْملك أَن يجْرِي عَلَيْهِ ألف دِينَار فِي كل شهر ثمَّ قدم عمر على أَبِيه بعد ذَلِك مُسلما عَلَيْهِ فَأَقَامَ عِنْده مَا شَاءَ الله ثمَّ إِنَّه ركب ذَات يَوْم حمارا فَسقط عَنهُ فشج فَبلغ ذَلِك الْأَصْبَغ بن عبد الْعَزِيز وَكَانَ غُلَاما فَضَحِك لسقوطه فَبلغ سُقُوطه وَضحك الْأَصْبَغ مِنْهُ عبد الْعَزِيز فاغتاظ على الْأَصْبَغ وَقَالَ لَهُ يسْقط أَخُوك فيشج فتضحك سُرُورًا مِنْك بماأصابه قَالَ لَيْسَ ذَلِك كَذَلِك أَيهَا الْأَمِير لم يضحكني شماتة بِهِ وَلَا سرُور بسقوطه وَلَكِنِّي كنت أرى العلامات من أشج بني أُميَّة مجتمعة فِيهِ إِلَّا الشَّجَّة فَلَمَّا سقط وشج سرني ذَلِك لتكامل العلامات فِيهِ فأضحكني وَهُوَ وَالله أشج بني أُميَّة فَسكت عَنهُ عبد الْعَزِيز وَقَالَ مَا يَنْبَغِي لمن كَانَ يُرْجَى لما يُرْجَى أَن يكون تأديبه إِلَّا بِالْمَدِينَةِ فَبَعثه إِلَى الْمَدِينَة
قَالَ ثمَّ ولي عمر على الْمَدِينَة فَسَار بِأَحْسَن سيرة وَكَانَ مَعَ ذَلِك يعصف رِيحه ويرخي شعره ويسبل إزَاره ويتبختر فِي مشيته وَهُوَ مَعَ ذَلِك لَا يغمص عَلَيْهِ فِي بطن وَلَا فرج وَلَا حكم
1 / 25
قدوم رجل على عمر بن عبد الْعَزِيز لتعزيته ونصحه
قَالَ وأتى رجل إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز حِين هلك سُلَيْمَان فَقَالَ لَهُ ارْض بِقَضَاء الله وَسلم لأَمره وارج مَا عِنْده فَإِن عِنْد الله الْخَيْر الدَّائِم والعوض من المصائب انْظُر إِلَى الَّذِي كنت تخشاه على سُلَيْمَان فاخشه على نَفسك ثمَّ قَامَ الرجل فَقَالَ عمر عَليّ بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ لَهُ عمر لأي شَيْء قلت لي هَذَا قَالَ الرجل إِن أمنتني حدثتك قَالَ أَنْت آمن قَالَ رَأَيْتُك بِالْمَدِينَةِ تذيل إزارك وترخي شعرك وتعصف رِيحك فَكنت أعجب كَيفَ يدعك الله فِي سكان أرضه فَلَمَّا جَاءَت حالتك هَذِه رَأَيْت عَليّ من الْحق تعزيتك وَأَدَاء حَقك فَقَالَ لَهُ عمر يَا أخي إِن كنت مُقيما مَعنا بأرضنا فتعاهدنا وَإِن خرجت فَفِي حفظ الله
المشية العمرية وإفراط عمر قبل الْخلَافَة فِي النَّعيم
قَالَ وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز من أعظم أموي ترفها وتملكا غذي بِالْملكِ وَنَشَأ فِيهِ لَا يعرف إِلَّا وَهُوَ تعصف رِيحه فتوجد رَائِحَته فِي الْمَكَان الَّذِي يمر فِيهِ وَيَمْشي مشْيَة تسمى العمرية فَكَانَ الْجَوَارِي يتعلمنها من حسنها وتبختره فِيهَا وَإنَّهُ ترك كل شَيْء كَانَ فِيهِ لما اسْتخْلف غير مشيته فَإِنَّهُ لم يسْتَطع تَركهَا فَرُبمَا قَالَ لمزاحم ذَكرنِي إِذا رَأَيْتنِي أَمْشِي فيذكره فيخلطها ثمَّ لَا يَسْتَطِيع إِلَّا إِيَّاهَا فَيرجع إِلَيْهَا وَكَانَ يسبل إزَاره حَتَّى رُبمَا دخلت نَعله فِيهِ فيتحامل عَلَيْهِ فيشقه وَلَا يخلعها وَيسْقط أحد شقي رِدَائه عَن مَنْكِبه فَلَا يرفعهُ وتنقطع نَعله فَلَا يعرج
1 / 26
عَلَيْهَا وَرُبمَا لحقه بهَا الْمَمْلُوك فيعنفه ويطبع بِخَاتمِهِ فتتسخ الطينة من العنبر فَلم يزل على ذَلِك حَتَّى ولي الْخلَافَة فزهد فِي الدُّنْيَا ورفضها
اعتذار عمر الى سعيد بن الْمسيب
قَالَ وَأرْسل عمر بن عبد الْعَزِيز فِي ولَايَته على الْمَدِينَة رَسُولا إِلَى سعيد بن الْمسيب يسْأَله عَن مَسْأَلَة وَكَانَ سعيد لَا يَأْتِي أَمِيرا وَلَا خَليفَة فَأَخْطَأَ الرَّسُول فَقَالَ هَل الْأَمِير يَدْعُوك فَأخذ نَعْلَيْه وَقَامَ إِلَيْهِ (من وقته) فَلَمَّا رَآهُ قَالَ لَهُ عزمت عَلَيْك يَا أَبَا مُحَمَّد إِلَّا رجعت إِلَى مجلسك حَتَّى يَسْأَلك رَسُولنَا عَن حاجتنا فَإنَّا لم نزسله ليدعوك وَلكنه أَخطَأ إِنَّمَا أرسلناه ليسألك وَلم ير سعيد أَنه يَسعهُ التَّخَلُّف عَنهُ
تنحي عمر فِي الْمَسْجِد مرضاة لِابْنِ الْمسيب
قَالَ وَخرج عمر بن عبد الْعَزِيز ذَات لَيْلَة إِلَى الْمَسْجِد فَقَامَ ليُصَلِّي وَكَانَ حسن الصَّوْت فصلى قَرِيبا من سعيد بن الْمسيب فَقَالَ سعيد لغلامه برد يَا برد نح عَن هَذَا القارىء فقد آذَانا بِصَوْتِهِ وَتَمَادَى عمر فِي صلَاته فَعَاد سعيد لبرد فَقَالَ يَا برد وَيحك ألم أقل لَك نح هَذَا القارىء عَنَّا فَقَالَ برد لَيْسَ الْمَسْجِد لنا فَسمع ذَلِك عمر فَأخذ نَعْلَيْه وَتَنَحَّى إِلَى نَاحيَة من الْمَسْجِد
خُرُوج عمر مَعَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك
قَالَ وَخرج عمر بن عبد الْعَزِيز مَعَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك إِلَى مخرج من مخارجه لم يكن عمر قدم فِيهِ ثقلا فَبلغ الْمنزل وَصَارَ كل رجل إِلَى مضربه الَّذِي قدمه وَصَارَ سُلَيْمَان إِلَى حجرَة ثمَّ فقد عمر فَقَالَ اطلبوه فَمَا أرَاهُ قدم شَيْئا فَطلب فَوجدَ تَحت شَجَرَة باكيا فَأخْبر بذلك سُلَيْمَان فَدَعَاهُ فَقَالَ مَا يبكيك يَا أَبَا
1 / 27