نهض عليه السلام من ذروة في آخر شهر القعدة من السنة المذكورة فأمسى في بلاد بني قيس وأقبل إليه قبائل سفيان وبنو قيس بالضيافات الجزيلة لجميع العسكر، ثم نهض عليه السلام إلى حوث ولم يلبث إلا يومين أو ثلاثا، ثم نهض قاصدا إلى الجوف وذلك في أول شهر الحجة سنة سبع وأربعين وستمائة فأمسى في وادي خيوان، ثم نهض من خيوان فأمسى العسكر موضعا يسمى الباطنة، ثم نهض من الباطنة إلى الجوف الأعلى فحط في موضع يسمى الزاهر وكان ذلك ثامن شهر الحجة، فلما كان يوم العيد صلى بالناس في الصحراء ووعظهم وذكرهم بالله وأمرهم بأوامر الله ونهاهم عن معاصيه فاستقرت هنالك محطته وأقبل إليه قبائل الجوف من السلاطين آل دعام وقبائل دهمة وغيرهم، وأقبل إليه الشرفاء الأمراء آل أحمد بن جعفر من مدينة براقش بالخيل والعدد وكذلك قبائل بني منية آل جحاف وآل عزان منهم من أتاه طوعا ومنهم من أتاه كرها، وكان صعوده مع الأمراء الحمزيين وهم الأكثرمن آل جحاف بن حميدان، وأقبل إليه السلطان بدر بن محمد صاحب بيحان وصاحب حباب بدر بن محمد وقبائل نهم الجبالة والشاوية، ووصل إليه شيوخ جنب وكبارها وقبائل مأرب من بني مازن وغيرهم من زرعة وأهل بيحان، فاجتمع عنده عسكر عظيم من الخيل والرجل، وأتته الأرزاق من كل ناحية فأنفقها في سبيل الله على المجاهدين، وفي مدة إقامته تلك الأيام في الجوف لزم عبدالله بن الأديب الصنعاني وكان من حديثه أنه أفرط في بغضة أمير المؤمنين عليه السلام وبالغ في أذيته أشد المبالغة والفساد عليه، واختلف إلى الغز وجمع بينهم وبين الأمراء الحمزيين وكان ذا إحسان في مداخلة الملوك وغير ذلك، وقد كانت كتب إلى الإمام كتابا عنيفا إلى المحطة بذروة وطلب منه حاجة في أمان لبعض أقاربه فعلم أمير المؤمنين من قلة توفيقه وقلة حياه كتب يسأل حاجة مع كتابه العنيف فأجابه أمير المؤمنين في رقعة يقول فيها ما هذا لفظه وأكثر معناه: فأما رفضك للإمامة فكم رافض لها لم يرفع له رأسا، وأما حاجتك فقد قضيناها، وأما والدك فإنه مات ونحن عنه راضون، وأما قولك كذا: {فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}(1) ثم قال أمير المؤمنين لبعض أصحابه: احتفظ بكتاب ابن الأديب فلعل الله أن يمن منه فنذكره بكتابه فكان الأمر كذلك.
وقصته: أنه خرج من ظفار هو والأمير علي بن وهاس يريدان حصن ظفر، ثم تقدم ابن الأديب إلى صنعاء للفساد [55ب-أ] على الإمام والاسنتصار بالغز وذكر أنه كان عازما على الخروج إلى ديار مصر ليستنصر بأهل مصر على الإمام، فلما علم بخروجه وقد أمسى في موضع يسمى الركية في بلاد بني علي لم يشعروا إلا بالقبائل قد أحاطت بهم وبلغ الصارخ إلى بلاد الصيد وذيبين وغيرها فاجتمع من العسكر قريبا من ألفي رجل، فاستنزلهم من هنالك من أنصار الإمام عليه السلام وأسروه هو والأمير علي بن وهاس وجماعة معهما فأطلق الأمراء آل يحيى بن حمزة الأمير علي بن وهاس ومنوا عليه تذللا على الإمام ووصلوا بعبد الله بن الأديب فأمر الشيخ أحمد بن محمد الرصاص بإهانته، وكان الشيخ الرصاص ذلك الأوان حالا في ذيبين.
Page 177