137

Silsilat Al-Adab - Al-Munjid

سلسلة الآداب - المنجد

Genres

آداب الأخوة فتعالوا بنا نستعرض بعض آداب الأخوة التي ذكرها بعض أهل العلم، فمن آداب الأخوة: أولًا: حسن الخلق، وقد أخبر النبي ﷺ أن خير ما يُعطَى الإنسان خلق حسن، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وأمر النبي ﷺ بمخالطة الناس بالخلق الحسن، فقال ﷺ: (وخالق الناس بخلق حسن) وهو اقتداء بالرسول ﷺ. ولا شك أن حسن الخلق يولد الأخوة ويؤلف الطباع. ومن آداب الصحبة أيضًا أن تعطي كل أحد من الذين تصاحبهم حقه على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم، قال بعض أهل العلم: للمعاشرة أوجه، فللمشايخ والأكابر بالاحترام والخدمة والقيام بأشغالهم، وللأقران والأوصاف بالنصيحة وبذل الموجود، وللتلاميذ بالإرشاد والتأديب، والحمل على ما يوجبه العلم وآداب السنة. ومن آداب الأخوة كذلك: الإغضاء عن العثرات، فعثرات الإخوان لا بد من حصولها، والصفح عنها من قيم الصاحب المؤمن، قال الفضيل بن عياض ﵀: "الفتوة: الصفح عن عثرات الإخوان" وكما يحب الإنسان أن يعامل إذا أخطأ بالصفح والتغافر فينبغي كذلك أن يعامل إخوانه، قال ابن الأعرابي: "تناسَ مساوئ الإخوان يدم لك ودهم ". ولا شك أن الذين لا يتناسون عثرات إخوانهم يقعون في مأزق عندما يفقدونهم الواحد تلو الآخر، والله ﷾ قال لنبيه ﷺ: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ [الحجر:٨٥] ما هو الصفح الجميل؟ الذي ليس فيه تقريع ولا تأنيب وإنما هو معاتبة للرفيق، والمؤمن يألف ويؤلف، ومن الأشياء التي تجعل الإنسان يؤلف أن يتغاضى عن عثرات إخوانه. وكذلك من الآداب: ستر عيوب الإخوان وتحسين عيوبهم، فبعض الناس قد يجد في أخيه عيبًا؛ فالموقف أن يحاول إصلاح عيبه، وأن يرشده إلى الطريقة التي به يقوم عيبه، ويستر عيوبهم؛ بمعنى أنه لا يشيعها ولا يتطلبها، ولذلك قال بعض السلف: المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثرات إخوانه، وينبغي على الإنسان إذا أخطأ أخاه أن يلتمس له الأعذار الكثيرة، وإذا لم يقبل عذره فليتهم نفسه، كيف تطلب كل هذه الأعذار ثم لا تقبلها؟ ومن آداب الأخوة: أن يعاشر من يوثق بدينه وأمانته في الظاهر والباطن؛ لأن الله قال: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة:٢٢] ولذلك لا خير في مصاحبة أهل الدنيا؛ لأن أهل الدنيا يدلون على طلبها وجمعها ومنعها، ولا شك أن هذا يبعد الإنسان عن سبيل النجاة، وإنما يعاشر أهل الخير ومن يدله على طلب الآخرة، ولذلك أوصى بعضهم صاحبًا له يريد مفارقته بقوله: "عليك بصحبة من تسلم منه بظاهر أمرك، وتبعثك على الخير صحبته، ويذكرك الله رؤيته أي: رؤيته تذكرك بالله، هذا الذي تحرص على صحبته. وكذلك من آداب الصحبة: ألا يحسد إخوانه على ما يراه من النعم عندهم، لأن الله ﷾ قد فاوت بين العباد في الأرزاق والعطيات، والمواهب والأموال، ونحو ذلك، فينبغي على الأخ إذا آخى أخًا له ألا يحسده على نعمة عنده، وأن يحمد الله ﷾ أن وهبها الله لأخيه، والله ﷿ قال: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء:٥٤] وقال النبي ﷺ: (لا تحاسدوا). وكذلك من آداب الصحبة: ألا يواجه أخًا من إخوانه بما يكرهه، فإذا كان يكره أمرًا معينًا فلا يواجهه به، ما لم يكن في ذات تلك المواجهة مصلحة له أو نصيحة في الدين. ومن آداب الصحبة: ملازمة الحياء مع الأخ، فقد قال النبي ﷺ: (الحياء من الإيمان) وقال ﵊: (استحي من الله كما تستحي رجلًا صالحًا من قومك) بل استحي من الله أعظم مما تستحي من رجل صالح من قومك، لكن ضربه مثلًا للتقريب. وكذلك من آداب الأخوة: بشاشة الوجه، ولطف اللسان، وسعة القلب، وإسقاط الكبر. ومن آداب الأخوة: ألا يصحب إلا عاقلًا وعالمًا، وحليمًا تقيًا فإن صاحب العقل مهم، بالإضافة إلى كونه صاحب دين. وكذلك من آداب الأخوة: سلامة الصدر للإخوان والأصحاب، والنصيحة لهم، وقبول النصيحة منهم، وأن يكون كما قال الله: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء:٨٩] وأن يكون صاحب صدر سليم؛ خال من الأحقاد والضغائن على إخوانه. وكذلك من آداب الأخوة: ألا يخلف الإنسان وعده، إذا وعد أخاه لا يخلفه؛ لأن إخلاف الوعد من علامات النفاق كما قال ﷺ: (آية المنافق ثلاث وذكر منها إذا وعد أخلف) وقال الثوري ﵀: "لا تعد أخاك موعدًا فتخلفه فتستبدل المودة بغضه " يحل محل المودة البغض، وقال نصر المروزي ﵀: يا واعد الوعد الذي أخلفا ما الخلف من سيرة أهل الوفا ما كان ما أظهرت من ودنا إلا سراجًا لاح ثم انطفا ومن آداب الأخوة: أن يصحب من يستحي منه ويحتشمه وقال بعضهم: أحب الطاعات بمجالسة من يستحيا منه، وقالوا كذلك: ما أوقعني في بلية إلا صحبة من لا أحتشم، وما المقصود بصحبة من لا تحتشم أي: الذي لا تستحي أن تفعل أمامه من المنكرات ما شئت، هذا لا تصحبه، لأنك مهما فعلت من الأخطاء والمنكرات فإنك لا تشعر بالحشمة. لا تحتشم أي: لا تقيم له وزنًا، احرص على مصاحبة الشخص الذي تستحي من فعل أو قول المنكر أمامه، احرص على مصاحبة الشخص الذي تحتشم وتحرص على ألا يظهر منك عيب ولا خلل أمامه، لأن كثرة مصاحبة هؤلاء توجب للإنسان الابتعاد عن هذه السيئات، أما إذا صاحب أشخاصًا من السفلة الذين لا يستحي أن يسمع أمامهم منكرًا أو يقول أمامهم منكرًا؛ فلا شك أن هذا سيجرؤه على المنكرات، بل ربما أعانوه عليها. وكذلك من آداب الأخوة: أن يحفظ إخوانه فيما يصلحهم لا ما يريدونه، فإن الصاحب قد يريد منكرًا أو يريد شرًا فأنت لا تحرص على تلبية رغبته لأنه يريد منكرًا، والمؤمن يعاشرك بالمعروف، ويدلك على صلاح دينك ودنياك، والمنافق يعاشرك بالممادحة ويدلك على ما تشتهيه، فهذا الفرق بين مصاحبة المؤمن ومصاحبة المنافق. وكذلك من آداب الصحبة: ترك ما يؤذيه عمومًا بالمواجهة أو بغيرها، لأن الله ﷾ يقول: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب:٥٨] ومن آداب الصحبة: أن تحب له ما تحب لنفسك، كما قال النبي ﷺ: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). ومن آداب الصحبة: أن تحرص على ما يجلب المودة بينك وبينه كما قال عمر ﵁: [ثلاث يصفين لك ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه]. ولا شك أن السلام من أسباب المحبة وإذا وسعت له في المجلس إذا دخل دل ذلك على قيمته عندك، وعلى حرصك على راحته، وعلى إكرامك له، والنفوس ترتاح لمن يكرمها، وإذا دعوته بأحب الأسماء إليه فإن ذلك أيضًا من أسباب محبته لك، فإن النفوس لا ترد من يناديها باسم فيه عيب أو فيه نوع من السخرية. وكذلك من آداب الأخوة: أن تحمل كلامه على أحسن الوجوه: فإذا وجدت لكلامه وجهًا حسنًا فاحمله عليه، وضع أمر أخيك على أحسنه. ومن آداب الأخوة: السؤال عن اسمه واسم أبيه وعن منزله، لئلا تقصر في حقه، فإنك إذا عرفت أسماء أقاربه كان ذلك سببًا في مودته، لأنك إذا عرفتهم في مناسبة أو مكان فأكرمتهم من أجله؛ فإن هذا من الأسباب التي تقوي العلاقة بينك وبينه، فإذا عرفت أن أباه فلان وأخاه فلان وابن عمه فلان وغير ذلك، وأن صديقه فلان، كان برك لهم من برك له. وكذلك من آداب الأخوة: أن تلازم الأخوة ولا تقطعها ولا تمل منها، فإن بعض الناس يصاحبون الأشخاص لفترات قصيرة ثم يتركونهم، ويكون همه هو التعارف والمداخلة ثم الخروج وهكذا، والأخوة الحقيقة هي التي تدوم ويحرص الإنسان على الالتزام بها، لا تركها ومفارقتها، ولا شك أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، وقد قال بعضهم: ليس لملول صديق، والملول: الذي يمل من كل أحد فيعاشر معاشرة بسيطة ثم يترك ويستبدل بالإخوان آخرين، وهكذا، ثم يستغني عنهم، ويمل من مصاحبتهم، فلا شك أن الملول لا يدوم له أخ. وكذلك من آداب الأخوة: ألا تقطع صديقًا بعد إذ صادقته، ولا ترده بعد أن قبلته، قال الخليل بن أحمد: لا تواصلنّ صديقًا إلا بعد تجربة، يعني: لا تصادق وتواصل إلا بعد تجربة، فإذا خبرته وسألت عنه وعرفت حاله فصاحبه وآخه، وإذا صادقته فلا تقاطعه، فمؤمن بلا صديق خير من مؤمن كثير الأعداء. ولا شك أن الإخوان إذا قاطعهم الإنسان ربما انقلب بعضهم عدوًا، ولذلك لا تصاحب صديقًا إلا بعد تجربة، وإذا صاحبته فلا تقطعه؛ لأن من آداب الأخوة أن المؤمن إذا ظفر بأخ أو صديق لا يضيعه؛ لأن الأخوة والصداقة عزيزة، أي: أن الإخوان الذين عندهم الوفاء والصدق والبر قلة، فإذا ظفرت به فلا تتخل عنه ولا تقطعه، وكتب بعض الحكماء لصاحب له: استوحش ممن لا إخوان له، وأشد الناس تفريطًا من وجد أخًا ثم ضيعه بعد أن وجده، وإن وجدان الكبريت الأحمر أيسر من وجدان أخ، والكبريت الأحمر نوع خالص منه معروف يضرب به المثل لندرة وجوده، وإني لفي طلب الإخوان منذ خمسين سنة واعلم أن الناس ثلاث: معارف وأصدقاء وإخوان، فالمعارف بين الناس كثير، أي: من جهة المعارف قد يتعرف الإنسان على أشخاص كثيرين ويعرف أشخاصًا كثيرين، لكن الأصدقاء من المعارف أقل، والصديق عزيز، والأخ قلما يوجد، فقد تتعرف على شخص، وقد تصادق أشخاصًا في مكان العمل أو في فصل دراسي، والإخوان من هؤلاء الذين تصطفيهم بصفاتهم التي يؤمن جانبهم، وتأمن على نفسك إذا صادقتهم ندرة قلة

7 / 3