وأما شهر الله المحرم، ورجب، وشعبان، وشهر رمضان الكريم فيلزم(1) الخلوة في هذه الأربعة الحرم، ويوظف فيها وظائف: منها: لا يتكلم فيها أبدا فيما عرفت وعلمت، فإن كتب إليه في حاجة مهمة دينية جوب في ظهر ورقة، أوفي عصا أو في لوح لفظات يسيرة جوابا، ومنها: لا يدخل إليه من بني آدم أحد والذي يأتيه بالوضوء والطعام يتركه على باب منزل خلوته المباركة أو يهيء في مكان للتجمير والتدفية، فينزل له في(2) أي وقت أحب. ومنها [أنه](3) لايفرط في ساعات الليل والنهار، بل اللحظة فيما أحسب، ويقطع علائق الكتب لا تقف عنده في هذه الخلوات، فيقرأ في كل شهر ستين ختمة [القرآن الكريم](4). في كل يوم ختمتين، وفي شهر رمضان -عمت بركته- تسعين ختمة، النهار ختمتين، وفي الليل ختمة قياما وتلاوة، ويضاعف الصلوات والأذكار التي في سائر السنة، فإذا خرج من هذه العكفة المباركة شاهدت نورا يلمع على وجهه، ولو كشط لحمه لما ملأ الكفين، والله أعلم. ويكاد يدرك بياض العظم من رقة جلده، وكنا نسمع ونرى في كتب العبادات عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام -: أن أوراده الصالحة في اليوم والليلة ألف ركعة غير الأذكار وإملاء الحكمة، وكذا عن زين العابدين علي بن الحسين: كان له خمسمائة نخلة، يصلي عند كل نخلة ركعتين، كل يوم ألف ركعة غير التلاوة والأذكار ونشر العلوم. وكذا عن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب(5) صلى الفجر بوضوء العشاء ستين سنة، فإذا كان آخر الليل قال: إلهي، لم أعبدك حق عبادتك، لكني لم أشرك بك شيئا، ولم أتخذ من دونك وليا. وكذا عن أبي حنيفة(1) رحمه الله تعالى(2) صلى الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة، فإذا كان آخر الليل تمثل بهذا البيت:
Page 110