بيد أن رجال الشرطة لا يجهلون تاريخ «اليد السوداء» في تلك المدينة، فسارعوا إلى بيت نادر ليدفعوا عنه البلاء، وألقوا القبض على أنطونيو في محطة سكة الحديد ساعة كان يشتري تذكرة السفر، وكذلك على بترو كنتي المشهور بصنع القذائف والقنابل لجمعية «اليد السوداء».
وها هما أمام المدير، الواحد يضحك في سره، والآخر يود لو أن بيده تلك القنبلة فيقذف بها ذلك المكان متمثلا بقول ذلك الذي هدم الهيكل في قديم الزمان: «علي وعلى أعدائي يا رب.»
وها هو ذا الشرطي وقد عاد من بيت نادر يحمل العلبة الجهنمية.
فعندما رآها أنطونيو صاح كالمجنون: «هي علبتي، هي تخصني، أنا دفعت ثمنها، أعطوني إياها فأعلمكم كيف يكون العدل، وكيف يكون الموت.»
قال هذا وهو يحاول الإفلات من أيدي الشرطة، فألزموه مكانه.
ثم تكلم بتروكنتي، فصدق مدير الشرطة الخبر، قص القصة كلها وختم كلامه قائلا: «افتحوا العلبة فتتأكدوا من صدق كلامي، وإذا كنتم تخشون فتحها؛ فأعطوني إياها واخرجوا من القاعة، فأنا أفتحها وأتحمل عاقبة أمرها.»
فقال المدير: «لا نكلفك ذلك يا كنتي؛ فقد برهنت مرة على توبتك الصادقة، وأنا الآن أفتح العلبة بناء على ما قصصت.»
قال ذلك وفض ختم العلبة، فقطع الشريطة المربوطة بها ثم فتحها؛ فإذا هي ملآنة من الأرز الذي يذرونه في تلك البلاد على العروسين تبركا وتيمنا، وعلى وجه العلبة المال الذي دفعه أنطونيو، العشر دولارات، ومعها ورقة كتب عليها: «يهنئك أنطونيو كاتالان، ويرجو أن تقبلي منه هذه العشر الدولارات فتشتري بها هديتين؛ الواحدة لك والثانية لزوجك.»
وكان أنطونيو في أثناء ذلك غائصا في لجة الهواجس، فرفع رأسه بعد أن سمع هذه الكلمات وخاطب بتروكنتي قائلا: ما أشرفك يا ابن بلادي! وما أكرمك! وما أعظم فضلك! وأنا اليوم أتوب توبتك، وأرجو أن أكون على شيء قليل من فضائلك في المستقبل. إني تائب أيها المدير، تائب توبة خالصة صادقة، وبرهانا على ذلك أترك هذه العلبة بين يديك لتصنع بها ما تشاء، ولكني أتمنى إرسالها إلى صاحبتها.
وكانت الكلمة الأخيرة للعروس إذ عادت العلبة من دائرة الشرطة في ذلك اليوم بعد الإكليل إليها: «ألم أقل: إن أنطونيو كاتالان رجل طيب القلب؟!»
Unknown page