Siddiqa Bint Siddiq
الصديقة بنت الصديق
Genres
ولم يخف هذا العطف الذي لا نظير له بين الأزواج على السيدة عائشة، وهي ما هي في ذكائها وعلمها ببيوت الصحابة وغيرها، وازدادت به علما يوم شاركها الزميلات في بيت النبي، وقد شاءت الدواعي السياسية والدينية أن تتعدد زوجاته، وتتعدد صلات المصاهرات بينه وبين قبائل الجزيرة العربية، فقد عرفت مكانها وهي بين تسع من الزميلات كما عرفت مكانتها وهي موشكة أن تنفرد في بيت النبوة، وكان عليه السلام يعدل بينها وبين زميلاتها فيما يملك العدل فيه. أما ميل قلبه فكان يستغفر الله فيه قائلا: «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك.»
وشكرت له هذا الإيثار، وفخرت به في معارض حديثها كلما بدا لها معرض للشكر أو للتحدث بنعمة الله عليها، فقص عليها النبي يوما قصة النسوة الإحدى عشرة اللواتي اجتمعن فتذاكرن أوصاف أزواجهن من خير وشر، وكانت الحادية عشرة منهن - وهي أم زرع - محبة لزوجها، فوصفته بأحسن ما يوصف به الأزواج في السر والعلانية. فقالت السيدة عائشة:
بأبي وأمي، لأنت يا رسول الله خير لي من أبي زرع لأم زرع.
وهي القائلة بعد وفاة النبي في مزاياها التي اختصت بها دون أترابها:
فضلت على نساء النبي
صلى الله عليه وسلم
بعشر! لم ينكح بكرا قط غيري، ولا امرأة أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله براءتي من السماء، وجاء جبريل بصورتي من السماء في حريرة، وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه دون غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي ولم ينزل وهو مع غيري، وقبض وهو بين سحري ونحري وفي الليلة التي كان يدور علي فيها ودفن في بيتي.
وكان هذا التمييز سر البيت النبوي في مبدأ أمره، ثم شاع في الجزيرة العربية حتى كان صاحب الهدية من المسلمين يؤخرها ليبعث بها إلى النبي وهو في بيت عائشة.
فوقع التغاير الذي لا محيص منه بين الزوجات، وأرسلن إليه إحداهن - أم سلمة - فأعرض عن حديثها ثلاث مرات، فلما أثقلت عليه قال لها: «لا تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة غير عائشة» - يريد بالثوب البيت في بعض التفسيرات، من قولهم ثاب إليه يثوب فهو في الثوب الذي لا يزال يرجع إليه.
وتوسلن بالسيدة فاطمة - رضي الله عنها - لما يعلمن من قبول أبيها لكل شفاعة تأتيه منها، فقالت له: «إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر. قال لها: يا بنية، ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلى. قال: فأحبي هذه» - يشير إلى عائشة.
Unknown page