Siddiqa Bint Siddiq
الصديقة بنت الصديق
Genres
وعلمنا من بعض أحاديثها أنها وعكت مرة فتمزق شعرها، فمن ثم وصيتها على ما يظهر بالشعر حيث تقول: «إذا كان لأحدكم شعر فليكرمه.»
وعلمنا من رواة وقعة الجمل أنها كانت جهورية الصوت، تخطب العسكر من هودجها في ساحة الحرب فيسمع خطابها.
وعلمنا من جملة أوصافها وأخبارها أنها كانت حية الطبع موفورة النشاط كدأب العصبيين من النساء والرجال، وكان أبوها - رضي الله عنه - من أصحاب هذا المزاج ولا مراء.
والظاهر أنها ورثت عنه كثيرا من خلقه وخلقه على السواء؛ فقد كان الصديق جميلا حتى جاء في بعض الروايات أنه لقب بالعتيق لجماله، وكان نحيلا دقيق التكوين كما هو مشهور، وكانت فيه حدة طبع مع حدة ذكاء، وكان كريما سريعا إلى نجدة المعوزين والضعفاء، وكان صادق المقال لم يؤخذ عليه كذب في الجاهلية ولا في الإسلام، وكان ماضي اللسان قديرا على إفحام من يجترئ عليه، وتشبهه السيدة عائشة في هذه الخلائق شبها كان يوحي إلى النبي - عليه السلام - كلما سمعها تجيب من يساجلها أن يقول: إنها ابنة أبي بكر! إنها ابنة أبي بكر!
وقد راضت حدتها زمنا كما كان أبوها يروض حدته طوال حياته، ولكنها لم تبلغ من ذلك ما بلغه أبوها؛ لمكان الرجل من القدرة والحاجة إلى سياسة الدنيا، ومكان الفتاة من الضعف ومن الحظوة التي تغنيها عن الصرامة في مغالبة النفس ومراس الخطوب في كفاح الحياة.
والمعهود في أخلاق الناس أن الحدة تلازمها سرعة الغضب، كما تلازمها سرعة الصفح والنسيان في معظم الأحيان.
وليس في أخبار السيدة عائشة ما يناقض هذه المشاهدة التي تعم النساء كما تعم الرجال، فليس مما ينقضها أنها - رضي الله عنها - بقيت على موجدة من مسألة الإفك طوال حياتها فلم تنس قط مقالة أحد من القائلين أو الساعين فيها؛ إذ ليس أهول على نفس الفتاة خاصة، ولا أوجع لضميرها من مطعن يهدم سمعتها، ويعصف بهناءتها، ويفقدها الرجل الذي تحبه، والمكانة التي تبوأتها، وأهول ما يكون ذلك على البريئة العزيزة التي يهولها الأمر على قدر ظلمها فيه، وعلى قدر نكبتها بما تفقده من العزة والسمعة. فلا يقاس على موجدة السيدة عائشة في مسألة الإفك سائر خلائقها ودوافع ضميرها، فليس في غير هذه المسألة ما ينم على شيء يتجاوز الحدة العارضة إلى الضغينة الباقية.
حدث مسروق الهمداني قال: «دخلت على عائشة وعندها حسان، وهو يرثي بنتا له، ويقول:
رزان حصان ما تزن بريبة
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
Unknown page