136

Siddiq Abu Bakr

الصديق أبو بكر

Genres

4

بستانا له، وقطيفة قيمتها خمسة دراهم، وقد أمر بحملها إلى عمر بعد أن يفرغ منه، فلما حملت إلى عمر بكى وقال: «لقد أتعب أبو بكر من بعده تعبا شديدا.»

ولسنا نثق بصحة هذه الراوية وإن كانت البينات قائمة على أن أبا بكر إن كان قد ترك شيئا بعده فإنما ترك غير كثير، فقد أوصى بخمس ماله وقال: «آخذ من مالي ما أخذ الله من فيء المسلمين.» أو قال: «لي من مالي ما رضي ربي من الغنيمة.» ولعل بعضهن ود لو أن أبا بكر أوصى بأكثر من الخمس، فأجابه: «لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع، ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث، ومن أوصى بالثلث فلم يترك شيئا.» فلو أن أبا بكر لم تكن له تركة وصح ما روي عن عائشة أنها قالت: «ما ترك أبو بكر دينارا ولا درهما ضرب الله سكته» لما أوصى بالخمس؛ ولا بما دون الخمس، فإنما يوصي من يملك شيئا وإن قل.

وكان أبو بكر قد وهب لعائشة أرضا بالعالية، كان النبي أعطاه إياها، فأصلحها وغرس فيها ثم جعلها لابنته أم المؤمنين، فلما حضر وعائشة تمرضه جلس فتشهد ثم قال: «يا بنية، إن أحب الناس غنى إلي بعدي أنت، وإن أعز الناس فقرا علي بعدي أنت، وإني كنت نحلتك أرضي التي تعلمين، وأنا أحب أن ترديها علي فيكون ذلك قسمة بين ولدي على كتاب الله؛ فإنما هو مال الوارث، وهما أخواك وأختاك.» ولم يكن لعائشة غير أخت واحدة، فسألت أباها في ذلك فقال: «ذو بطن ابنة خارجة فإني أظنها جارية.»

فكر أبو بكر أثناء مرضه فيمن يخلفه على المسلمين، وفكر في رد المال الذي جعلوه له حين خلافته، وفكر فيما يوصي به من تركته، وفكر فيما كان نحله ابنته عائشة ليرده على ورثته، فكر في هذا كله شديد الحرص على أن يدع هذه الدنيا بريئا، وعلى أن يلقى الله وقد ألقى عن نفسه كل ما يخشى أن يؤاخذه الله به، فلما اطمأن إلى ذلك بدأ يفكر في الموت وفي الأهبة له، فأوصى أن يكفن في ثوبين له كان يلبسهما وقال: «كفنوني فيهما فإن الحي أحوج للجديد من الميت.»

5

وأوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، فإن لم تستطع استعانت بعبد الرحمن ابنه، وإنه لفي شغل بهذه الأمور إذ أقبل المثنى من العراق فأذن الصديق له، فلما طلب منه أن يمده بمن عاد إلى الإسلام من أهل الردة أوصى عمر أن يفعل وألا يشغل بوفاته عن أمور المسلمين.

وبدأ أبو بكر يعالج سكرات الموت، وعائشة ابنته إلى جانبه، فلما رأته كذلك تمثلت بهذا البيت من قول حاتم:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى

إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

Unknown page