Shuyuciyya Wa Insaniyya

Cabbas Mahmud Caqqad d. 1383 AH
77

Shuyuciyya Wa Insaniyya

الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام

Genres

وعندنا في اللغة العربية ذخيرة من الشعر الجاهلي يخرج منها القارئ بفكرة واحدة، وهي أنه «لا خير فيمن لا خير للناس فيه.»

وما كان أدب العشيرة العربية إلا مثالا للعشائر الأولى على وفاق في المغزى والنتيجة مهما تتبدل أساليب التعبير.

ولما ترقى البحث في هذه الشئون إلى مذاهب الفلسفة، كان محور الفلسفة عند «أرسطو» أن الحكومة المثلى هي الحكومة لمصلحة الرعية، وأن الحكومة السيئة هي الحكومة لمصلحة الرعاة.

وقد يتعدد القول في الاختيار والاضطرار، ولا تأتي الفلسفة المادية التاريخية - مع ذلك - بشيء يضاف إلى التراث العريق في تقدير الفرد بالنسبة للجماعة، فقد يقال مثلا: إن الفرد مضطر إلى خدمة الجماعة، بحكم تكوينه، ولا ينفي ذلك حقه في الكرامة؛ لأنه أفضل من الفرد المضطر إلى العدوان على الجماعة بحكم تكوينه، ولا يكون رد الفعل من قبل الجماعة طبيعيا معقولا، إذا تساوى في معاملة الفردين: معاملة الفرد المضطر بحكم تكوينه إلى خدمتها، ومعاملة الفرد المضطر بحكم تكوينه إلى العدوان عليها.

كذلك لا تأتي المادية التاريخية بأدب جديد في معاملة الفرد إذا قالت: إنه يفلح في سعيه كلما وافقته ظروف الجماعة، وإنه لا يخلق الظروف التي تساعده وتنشأ في الأمة قبل مولده، إذ لا شك أن الفرد الذي يريد عمل الخير وينتظر موافقة الظروف لإنجازه، أكرم وأنفع لقومه من الفرد الذي يريد عمل الشر ولا يستطيعه إلا إذا وافقته الظروف.

وليكن تعبير المعبر في هذه الحقيقة، بما شاء من ألوان الأساليب، فإن تقدير الأفراد لا يتساوى إذا كان منهم من هو مضطر إلى العظمة وكان منهم من هو مضطر إلى الخسة، ولا يغض من قدر العظيم أن الأمة قادرة على إخراج مثله، فإن مثله سيأتي أيضا عظيما أفضل في صفاته وكفاياته من الحقير.

وإذا قال القائل: إن قدحا آخر من الماء سيرويني إن لم أجد هذا القدح الذي أمامي، فهو لا يبطل نفع الماء بهذا المقال، ولا يزال الماء ماء ضروريا للري وحفظ الحياة في الحالتين.

كان «هيجل» مثاليا يقول بالفكرة ولا يقول بالمادة، وكان يرى نابليون الأول على حصانه في معركة «جينا» فيقول: إنه رأى روح الكون يمتطي ذلك الحصان، ثم يعود فيقول: لو أنه لم يكن نابليون لكان تدبير الروح الأعظم كفيلا بوضع شخص آخر في مكانه على صهوة جواده يسمى بما شاءت المقادير من الأسماء.

ثم جاء الماديون التاريخيون، فاقتبسوا قواعد المذهب المادي من إمام الفلسفة الفكرية، وكرروا هذه العبارة بنصها في أمر نابليون وغير نابليون.

إن الإنسان قد يدين بكل حرف من حروف المادية التاريخية ولا يوجب عليه العقل أن ينظر إلى الفرد عامة، أو إلى الفرد العظيم، نظرة غير النظرة الإنسانية المأثورة من أقدم العصور، فمن أين جاءت تلك الرغبة الملحة عند الماديين في تحقير العظمة الإنسانية، والحرص في كل مناسبة على بخس حقها، واللجاجة في تفضيل الكثرة على المزية كلما تكلموا عن حادث من حوادث التاريخ، جاء من خسة النفس أو من الظاهرة النفسية، ولم يجئ من فكرة سليمة يستلزمها الإيمان بكل حرف من حروف المادية التاريخية؟

Unknown page