Shuyuciyya Wa Insaniyya

Cabbas Mahmud Caqqad d. 1383 AH
111

Shuyuciyya Wa Insaniyya

الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام

Genres

وقد رأينا غيرنا أطفالا في الثانية عشرة يحلون من عمليات الحساب على غير الورق مسائل تحتاج إلى ضرب عشرة أرقام في عشرة، وهم أشباه أميين. وثبت أن علوم الحركة التي مهدت للمخترعات الحديثة لم تكن ميسورة بغير المعلومات الرياضية، التي اقترنت بعلوم النهضة في عصر الحرية الديمقراطية، فأسفرت عن خوارق الصناعة الحديثة.

إلا أن استثناء العلوم الرياضية يفسد الحساب الأخير على الماديين التاريخيين، فلا حقائق رياضية ولا تجريبية يدركها العقل، ويجعلها علوما مفهومة بمعزل عن وسائل الإنتاج.

ويقول «كارل ماركس» في الجزء الأول من كتاب رأس المال: إن «ضرورة التنبؤ عن موعد الفيضان» هي أصل علم الفلك عند المصريين الأقدمين. ويقول هو ومن على شاكلته: إن الحاجة إلى تقسيم المزارع بعد الفيضان هي أصل علم الهندسة؛ ولذلك سميت في اللغة اليونانية بعلم قياس الأرض.

9

وبعض ما قاله الماديون هنا يقره غيرهم من الباحثين في أصول العلوم، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يمنعوا قدرة العقل البشري على استنباط العلم الذي لا تلجئه إليه الحاجة، وفي مقدمته علم الرياضيات بما يشتمل عليه من فلك وهندسة.

فهل من المعقول أن تصبح الشعرى اليمانية موعدا للفيضان ما لم تكن مرصودة قبل ذلك معروفة المواعيد بمعزل عن مواعيد فيضان النيل.

إن مؤرخي الرياضيات الذين تتبعوا أصولها لا تخفى عليهم هذه الحقيقة، ولا يزالون يعرفون للعقل حقه في الدهشة أمام روائع الكون والشوق إلى استطلاع أسراره، ولا يجعلونه في كل شيء، وفي كل معرفة، عبدا مغمض العينين، لا يفتحهما إلا بإذن من وسائل الإنتاج! وقد كتب الأستاذ «موريس كلين» مؤرخ الرياضة فصلا عن مولدها من كتابه عن تاريخ الثقافة الرياضية في الغرب فقال: «إن الرصد لا بد أن يكون قد تتابع سنوات عدة قبل أن يقرر اتخاذ عبور الشعرى بالفلك الأعلى موعدا للنبوءة عن فيضان النيل.»

10

ولا يلزم - بداهة - أن يكون المرء حجة في العلوم الرياضية ليفهم أن الهندسة التي شيدت الأهرام وشوامخ الآثار لم تكن ضرورة من ضرورات وسائل الإنتاج، أو وسائل الزراعة في فيضان النيل، فما الذي ارتفع بالعلوم الهندسية والفلكية إلى تلك الذروة التي ارتقت إليها بين المصريين الأقدمين؟ وماذا في زراعة الفيضان مما يوجب إقامة الهياكل بتلك الضخامة وذلك الشموخ؟ ولماذا تعلم المصريون الملاحة، وتعلموا الاهتداء بالنجوم في طريق الملاحين لجلب الأبازير والأفاوية التي يستخدمونها في تحنيط الجثث أو تحنيط الأموات؟

أي جواب يجاب به عن هذه الأسئلة يسقط القول بالعلة المحصورة في وسائل الإنتاج.

Unknown page