مقدمة المؤلف

Page 47

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى، وصلى الله على محمد وآله الذين اصطفى وبعد فيقول راجي رضا الغفار السبحاني محمد بن عبد الجبار البحراني، إنه قد سألني الأخ الطالب للحق فيض الله بن جعفر التبريزي (1) وفقه الله للكمالات وإلى الارتقاء إلى أعلا الدرجات عن مسألة، وكنت بكربلاء مشتغلا بالسفر فأجبت بالمستطاع والمتيسر، فإن وافق قبولا فببركة من أنا بجواره ومن رشح فيضه، وإلا فمن قصوري وقصر باعي.

فأقول: قال أيده الله بجوده وحرسه: ما الدليل على خلافة أمير المؤمنين بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا فصل بحيث يلزم الخصم بجميع الطرق عقلا ونقلا؟

وما الدليل كذلك على أن أوصياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) اثنا عشر لا تزيد ولا تنقص؟

الجواب: هو يشتمل على مسئلتين فنذكر كل واحدة على حدة ثم نختم بخاتمة. فنقول: لا خفاء في عموم رحمة الله تعالى ولطفه بخلقه، وأنه لم يتركهم سدى وهملا، وإلا لزم عبثية الخلق، وضاعت حكمته وعلمه وقدرته، فيبطل

Page 51

وجوده، بل نصب لهم الدلائل وأوضح لهم العلل وأزاح عنهم الموانع لتعلو حجته، وتتضح حجيته، فليحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة وتكون لله الحجة البالغة، وكله عن اختيار بغير جبر واضطرار، إذ لا جبر في الوجود لا بحسب الفاعل ولا القابل ولا المفعول، وإلا رجع إليه تعالى الله.

نعم قد يظن ظاهرا في نسبة المفاعيل لبعض، ولسنا بصدده هنا، ومن المتضح أن الشئ كلما كان أظهر تكون أدلته كذلك، لشدة الحاجة إليه وعموم البلوى، فيجب في أدلته ذلك لذلك، كما هو متضح الحجة والمنار ساطع البرهان.

ولا شك أن محل الدلالة والاستدلال الذي دل عباده عليه وندبهم إليه كتابه التكويني، وكتابه القرآن والسنة النبوية، والميزان المقتبس منهم والمسترشد برشدهم، وما بعد ذلك إلا سبيل الضلال، وما بعد الحق إلا الباطل.

ويجب في هذه الأدلة التطابق (1) عما منها صدرت من الواحد الحق الذي لا اختلاف فيه " ولكل حق حقيقة " (2) ويكون لها تنوع ظهوري في هذه الكتب وكتاب الله التدويني، أو قوله (عليه السلام) التشريعي طبق التكويني، وتفاصيله في الأقوال والأفعال، والتكويني بجميع أنواعه جمع في الإنسان، والله أرانا آياته ومحكم بيناته في الآفاق والأنفس ليتضح لنا الحق، ونعرفه بيانا كما قال الله تعالى (3) وطابقه الوجدان وساطع البرهان، فمتى قام الدليل للحكم بطريق منها ثبتت ووجب في الباقي وإن لم يظهر للناظر تقصيرا أو قصورا، [ونقول] في المسألة

Page 52

أدلتها طبقت ما بين السماء والأرض وكل مخلوق، لأنها الولاية العامة للكل، والمأخوذة عليه، فيعم دليلها الكل كل بحسبه، فلو كان البحر مدادا والأشجار أقلاما والخلق كتابا ما أحصوا فضائله بل واحدة منها كما رواه الفريقان (1).

وهذا بحر لا قرار له، وبيان الجواب يعجز عن بيانه وسطره القلم الكلي والأقلام الجزئية فكيف قلمي، لكن نذكر بعض مختصر ذلك كالعنوان كما هو المناسب للوقت واشتغالي واستطاعتي وسؤال السائل، ومع هذا فقد أزدت على طلبته، ومع هذا أقول لا تنفع الأدلة وما هو في الوضوح كالشمس إلا في غير المحجوب أعمى البصر بالصدود والجحود، أما هو فلا ينتفع به ولا يؤثر فيه ولو نأتيه بجميع الآيات كما هو ظاهر من زمن آدم (عليه السلام) حتى يقع التمييز، ويحق الحق ويبطل الباطل، وينتهي أجلهم، عجل الله بالفرج. قال الله تعالى: * (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب) * (2) الآية وقال تعالى: * (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة) * إلى * (ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله) * (3) أي خيرا ولا يشاؤه الله ولا يريده تعالى الله، وقال تعالى: * (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) * (4) الآية * (وجحدوا بها) * عنادا بعد ظهور الحق والدليل، * (واستيقنتها أنفسهم) * (5) استيقان تصور لا اعتقاد بسبب وصول الدليل، ومقتضى فطرتهم الوجودية التي غيروها ظلما وعلوا فلا تناقض في الآية، * (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم

Page 53

بالكتاب) * (1) ونحوها كثير آية ورواية ووجدانا مشاهد مستمرا، فأخاطب غير العاند وأقول له: أما دليل ذلك مما اختصت به الإمامية فلا أذكره أصلا لعدم إلزامهم، ولهم سبيل في إنكاره، بل أما برواية متفق عليها عندنا وعندهم، أو آية محكمة كذلك، أو برهان وجودي عليه فطر الوجود فتقوم الدلالة عليها بحسب الحال والمقال، وهي السبل ليس إلا، فإن لم تصدق بطل الوجود، وبطلت سائر الأدلة بها بطرق أولى، ولم تبلغ مسألة هذا المبلغ، وسميتها بالشهب الثواقب لرجم شياطين النواصب.

Page 54