Shuhada Tacassub
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
Genres
فأجابته: أظنك تريد أن تقول: بيت ملك فرنسا؟
وكأنه لم يستأمن جوابها، فقال: لئن وقع مصاب على البيت المالك، فإن السلطة تنتقل إلى أيد غير صالحة.
فرفعت الملكة رأسها، ونظرت إليه مليا، فقال الكردينال: نعم، فإن خليفة الملك لا يزال قاصرا، فنيابة الملك تئول - إذ قضى الملك - إلى ملك النافار؛ أي إلى أول أمير من الدم الملكي. فتبسمت الملكة لهذا الخاطر؛ لأن ملك النافار لا يحفل بسلطة لاشتغاله بهوى النساء، إلا أنها لم تجب.
فقال الكردينال: لئن صارت نيابة المملكة إلى ملك النافار بعد وفاة الملك، فإن الخطر يحدق بك وبنا على السواء.
فحملقت إليه كاترين بصرها، فقال: نعم، فإن ملك النافار يغدو ألعوبة بين يدي أخيه أمير كوندة، وهذا الأخير لا ينسى سجنه، ولا القضية التي أقمناها عليه، ولا ينسى أننا لم نعبأ بطلبه استئنافها، وأننا اتهمناه بالاضطراب الحادث في البلاد، وهنا توقف الكردينال، فأشارت إليه الملكة إشارة ملؤها الاحتقار، وقالت: كل ذلك من عملك أنت لا من عملي أنا. فأمير كوندة كاره لك ولأخيك، ولكنه محب للملك ولوالدة الملك. - لئن تولى الوصاية ملك النافار فأنت هالكة. - كلا، فربما كنت أنت يومئذ من الهالكين. أما أنا فلا، وأمير كوندة لا ينسى دفاعي عنه أمام الملك. كما أن زوجته الأميرة لا تنسى أنني عضدتها في هذا اليوم. - أراك لأول مرة ساذجة أيتها الملكة. فإن كوندة لن يحفل بك ولا يهمه إلا طمعه الأشعبي، ولنتكلم بحرية. إن السلطة بين يديك وأيدينا؛ أي بين يدي والدة الملك وأيدي عميه، وما من أحد منا يروم فقدها. - بل أرجو منك أن تصلح كلامك ليغدو مطابقا للواقع. إن السلطة بين يديكما - أنت وأخيك - لا بين يدي أنا. إن أنا إلا امرأة منفردة، وهل من قوة لي؟ - ما هذا الكلام أيتها السيدة؟ أفلا ترين أنك الحزب الأقوى، وحسبك برهانا على ذلك أنني أطوع لك من بنانك، ولكن لا يفوتك أن مرافقنا واحدة، ولا بد لنا - قبل كل شيء - من إهلاك أمير كوندة وأخيه ملك النافار. - لم يصدر عليهما حكم. - سيصدر غدا. فيجب التوقيع على حكم إعدامهما قبل موت ولدك، هذا أمر لا غنى عنه، وسوف تكونين مساعدة لنا على إنجازه. فأبعدي أمير الأختام ومن بقي من أعوان الأمير، وإذ ذاك تصبحين ملكة فرنسا حتى يبلغ الملك شارل سن الرشد ، وأصبح أنا وزيرك الأول.
فخفضت كاترين رأسها، وجعلت تحرك حبات سبحتها، فقال لها الكردينال بقلق ظاهر: ما رأيك يا سيدتي؟
فظلت صامتة وقتا طويلا، ثم قالت: إني أصلي إلى الله لأجل شفاء ولدي.
فوثب الكردينال خارجا من عندها، وقد رأى منها القسوة لثاني مرة. فلم يكد يغيب عن نظرها حتى نادت ترولوس، وقالت له: تذهب الساعة وتدعو إلى هنا أمين الأختام، وليأت خلسة، ثم تسلم هذه الرسالة إلى جاليو، مع أمر مني بتسليمها إلى أمير كوندة، وجاليو حاذق فطن، فلا أشك في أنه يفلح.
ودفعت إلى ترولوس رسالة دسها في جيب صدرته، وبعد هنيهة كان أمين الأختام عندها، واسمه لسبتال، فقالت له: عهدي بك ذا رأي وتدبير، والوقت حرج فأسعفني بنصحك. إن الملك مشرف على التلف، وقد أنذرني بموته الطبيب فرنل. قال: يا لله!
قالت: إذا مات ولدي فماذا نصنع؟
Unknown page