ونحن نقول بالجملة إن من شأن النفس أن يحدث منه فى العنصر البدنى استحالة مزاج تحدث من غير فعل وانفعال جسمانى، فتحدث حرارة لا عن حار وبرودة لا عن بارد، بل إذا تخيلت النفس خيالا وقوى فى النفس لم يلبث أن يقبل العنصر البدنى صورة مناسبة لذلك أو كيفية، وذلك لأن النفس من جوهر بعض المبادى التى هى تلبس المواد ما فيها من الصور المقومة لها إذ هى أقرب مناسبة لذلك الجوهر من غيره، وذلك إذا استتم استعدادها لها، وأكثر استعداداتها إنما تكون بسبب استحالات فى الكيف كما قلنا فيما سلف، وإنما تستحيل فى الأكثر عن أضداد تحيلها، فإذا كانت هذه المبادى قد تكسوا العنصر صورة مقومة لنوع طبيعى لنسبة ما تتقرر بينهما فلا يبعد أيضا أن تكسوها الكيفيات من غير حاجة إلى أن يكون هناك مماسة وفعل وانفعال جسمانى يصدر عن مضادة، بل الصورة التى فى النفس هى مبدأ لما يحدث فى العنصر، كما أن الصورة الصحية التى فى نفس الطبيب مبدأ لما يحدث من البرء وكذلك صورة السرير فى ذات النجار، لكنه من المبادى التى لا تنساق إلى إصدار ما هى موجبة له إلا بآلات ووسائط، وإنما تحتاج إلى هذه الآلات لعجز وضعف، وتأمل حال المريض الذى توهم أنه قد صح والصحيح الذى توهم أنه مرض، فإنه كثيرا ما يعرض من ذلك أن يكون إذا تأكدت الصورة فى نفسه وفى وهمه انفعل منها عنصره فكانت الصحة أو المرض، ويكون ذلك أبلغ مما يفعله الطبيب بآلات ووسائط، ولهذا السبب ما يمكن الإنسان مثلا أن يعدو على جذع ملقى فى القارعة من الطريق، وإن كان موضوعا كالجسر وتحته هاوية لم يجسر أن يمشى عليه دبيبا إلا بالهوينا لأنه يتخيل فى نفسه صورة السقوط تخيلا قويا جدا فتجيب إلى ذلك طبيعته وقوة أعضائه ولا تجيب إلى ضده من الثبات والاستمرار، فالصور إذا استحكم وجودها فى النفس وعتقاد أنها يجب أن توجد فقد يعرض كثيرا أن تنفعل عنها المادة التى من شأنها أن تنفعل عنها وتكون، فإن كان ذلك فى النفس الكلية التى للسماء والعالم جاز أن يكون مؤثرا فى طبيعة الكل، وإن كان فى نفس جزئية جاز أن يؤثر فى الطبيعة الجزئية،
Page 200