ثم إنا قد نحكم فى المحسوسات بمعان لا نحسها إما أن لا تكون فى طبائعها محسوسة البتة وإما أن تكون محسوسة لكنا لا نحسها وقت الحكم، أما التى لا تكون محسوسة فى طبائعها فمثل العداوة والرداءة والمنافرة التى تدركها الشاة فى صورة الذئب وبالجملة المعنى الذى ينفرها عنه، والموافقة التى تدركها من صاحبها وبالجملة المعنى الذى يؤنسها به، وهذه أمور تدركها النفس الحيوانية والحس لا يدلها على شىء منها، فإذن القوة التى بها تدرك قوة أخرى، ولتسم الوهم، وأما التى تكون محسوسة فإنا نرى مثلا شيئا أصفر فنحكم أنه عسل وحلو، فإن هذا ليس يؤديه إليه الحاس فى هذا الوقت، وهو من جنس المحسوس عل أن الحكم نفسه ليس بمحسوس البتة وإن كانت أجزاءه من جنس المحسوس، وليس يدركه فى الحال، إنما هو حكم يحكم به ربما غلط فيه، وهو أيضا لتلك القوة، وفى الإنسان للوهم أحكام خاصة من جملتها حمله النفس على أن تمنع وجود أشياء لا تتخيل ولا ترتسم فيه وتأبيها التصديق بها، فهذه القوة لا محالة موجودة فينا وهى الرئيسة الحاكمة فى الحيوان حكما ليس فصلا كالحكم العقلى ولكن حكما تخيليا مقرونا بالجزئية وبالصورة الحسية وعنها يصدر أكثر الأفعال الحيوانية،
Page 167