الفصل الرابع (د) فصل في مناسبة بعض هذه الخمسة مع بعض
وإذ قد عرفنا هذه الألفاظ الكلية الخمسة، فيجب أن نعلم أن الشئ الذي هو منها جنس ليس جنسا لكل شئ، بل لنوعه فقط. وكذلك الفصل ليس يجب أن يكون فصلا لكل شئ، بل إما من حيث هو مقسم فلجنسه، وإما من حيث هو مقوم فلنوع ذلك الجنس. وأن الشئ الواحد قد يجوز أن يكون جنسا أو كجنس، وفصلا ونوعا وخاصة وعرضا؛ فإن الحساس كالنوع من المدرك، وجنس للسامع والمبصر، وفصل للحيوان؛ والماشى جنس لذى الرجلين ولذى أربع أرجل، ونوع للمتنقل، وخاصة للحيوانات، وعرض عام للإنسان. وربما اجتمعت الخمسة فى واحد.
والجنس ليس جنسا للفصل ألبتة، ولا الفصل نوعا للجنس، وإلا لاحتاج إلى فصل آخر، بل الفصل معنى خارج عن طبيعة الجنس؛ فإن الناطق ليس هو حيوانا ذا نطق، بل شئ ذو نطق، وإن كان يلزم أن يكون ذلك الشئ حيوانا، وأما الحيوان ذو النطق فهو الإنسان؛ ولو كان الحيوان داخلا فى معنى الناطق لكان إذا قلت: حيوان ناطق، فقد قلت: حيوان هو حيوان ذو نطق، فإن ذا النطق والناطق شئ واحد. وأذا قيل الجنس على الفصل فهو كما يقال العرض اللازم على الشئ الذي يقال عليه ولا يدخل في ماهيته، لكنه كالمادة للفصل، ونسبة الفصل إليه من وجه كنسبة الخاصة التي توجد فى البعض، لكن الفصل يقومه موجودا بالفعل، وإن لم يدخل فى حده وماهيته دخوله فى إنيته، ككثير من العلل وكالصورة للمادة، هذا إن كان الفصل أخص على الإطلاق من الجنس، ولم يقع خارجا عنه ألبتة أو بالحقيقة، فإن قول كل واحد منهما عند التحصيل هو على النوع. وهذه الأشياء تتحصل لك فى الفلسفة الأولى.
والجنس تكون نسبته إلى الفصل كنسبة عارض عام؛ وأما العارض العام فإنه قد يكون بالقياس إلى الجنس خاصة، وبالقياس إلى النوع عرضا عاما، مثل الانتقال بالإرادة فإنه خاصة من خواص الحيوان، وعارض عام للإنسان؛ وربما كان خاصة لجنس أعلى، مثل البياض فإنه من خواص الجسم المركب، وعارض عام للانسان، وربما كان من خواص أعلى الأجناس كلها؛ وربما لم يكن العارض العام خاصة لشىء من الاجناس، إذا كان قد يعرض لغير تلك المقولة، مثل امتناع قبول الأشد والأضعف، فإنه من لوازم الجوهر على سبيل العموم له ولغيره، وليس خاصة لجنس من أجناسه، إذ ستعلم أن ذلك قد يقع فى غير أعلى أجناسه. والحيوان نسبته إلى هذا الحيوان - من حيث هو حيوان ألحق به الإشارة ولم يعتبر فيع النطق - نسبة النوع إلى الأشخاص، فإنه مقول عليه قول النوع الذي هو نوع بالقياس إلى الأشخاص فقط على الأشخاص، لا نسبة الجنس، بل إنما هو جنس بالقياس إلى أشخاص الحيوان من حيث صارت ناطقة، وكذلك الناطق بالقياس إلى هذا الناطق غير مأخوذ معه الحيوانية، فإنه كنوع له بالمعنى المذكور لا كفصل، بل هو فصل لأشخاص الحيوان من حيث هى حيوان. والضحاك أيضا فإنه كالنوع لهذا الضحاك من غير أن يعتبر إنسانا، وإنما هو خاصة للإنسان ولأشخاص الناس؛ وكذلك الأبيض أيضا لهذا الأبيض، من حيث هو أبيض مشار إليه، فإنه كالنوع له.
والعرض العام إنما هو عرض عام للشئ الذي هو موضوع لكونه هذا الأبيض، لا لهذا الأبيض، من حيث هو هذا الأبيض.
واعلم أن هذه الخمسة قد يتركب بعضها مع بعض تركبا بعد تركب، فالجنس يتركب مع الفصل، فإن المدرك جنس فصل الإنسان الذي هو الناطق مثلا، أو ذو النفس فإنه جنس للناطق، فهو جنس الفصل، وقد عرض له أن كان فصل الجنس، لأن ذا النفس فصل بعض الأجناس المتوسطة التي للإنسان. وقد يتركب الجنس مع العرض، مثل أن الملون جنس عرض الإنسان الذي هو الأسود والأبيض، لكن هذا التركيب يخالف الأول؛ فإنه ليس يجب أن يكون جنس الفصل المقوم جنسا مقوما للنوع، وجنس العرض يجب أن يكون عرضا لاحقا لذلك النوع. نعم قد يكون جنس الفصل فصلا مقوما لجنس النوع، وكذلك قد يكون جنس العرض عرضا لاحقا لجنس النوع.
Page 41