كما أن الحركة لا تخرج الإنسان من أن يكون حيوانا وجوهرا، وإن نظر إلى الهيئة كانت الهيئة كيفية؛ وليس ولا واحد من الاعتبارين من باب الوضع، ولا فيه وضع ألبتة. وقد غلط من ظن أن الشكل يصدق حمل معنى الوضع عليه بوجه من الوجوه، وإنما عرض له من جهله باشتراك الاسم فى الوضع. وذلك لأن الوضع قد يقال على وجوه. فيقال: وضع لحصول الشئ فى موضعه، وهذا المعنى من الوضع هو نفس مقولة الأين. ويقال: وضع لحصول الشئ مجاور للشئ من جهة مخصوصة كما يوضع خط من يمين خط؛ وهذا الوضع نوع من المضاف، ومقول ماهيته بالقياس إلى غيره، فإن وضع الشئ عند مجاوره، مقول بالقياس إلى وضع مجاوره عنده، بل هذا الوضع هو المجاورة؛ ومن يشكل عليه أن المجاورة من باب المضاف ؟ ويقال وضع للهيئة الحاصلة للجسم بسبب نسبة بعض أجزائه إلى بعض فى الجهات بسبب حصول الوضع بالمعنى الثانى لأجزائه، وبالجملة لوجود إضافة ما فى أجزائه التى توجد بالفعل أو بالتوهم، حتى تكون الأجزاء إذا وجدت على إضافة ما معلومة، أو كان الجسم بحيث يمكن أن يتوهم فيه أجزاء ذوات إضافة ما معلومة، حصل للكل بسبب ذلك هيئة هى الوضع، وهذا هو المقولة. فإن الجلوس هو صفة لجملة الجالس لا لشئ من أجزائه. لكن إنما تكون هذه الصفة للجالس، إذا كان لأجزائه بعضها إلى بعض إضافة، أو إمكان إضافة؛ ولا كل إضافة، بل إضافة هيئة المجاورة؛ ولا كل إضافة هيئة المجاورة، بل أن يكون لها نسبة مع ذلك إلى جهات تكتنفها، أو أجزاء أمكنة أو أجزاء أمور محوية فيها. وبالجملة أن يقرن بالاعتبار الذى فيما بينها اعتبار لها فيما بينها وبين أمور مباينة لها.فإن الهيئة التى لأعضاء الجالس بعضها عند بعض إذا ثبتت، وقام الجالس، والهيئة ثابتة بالقياس المعتبر للأجزاء بعضها عند بعض، لم يكن جالسا إذا زالت النسبة بينها وبين الأمور الخارجة عن جوهرها، وإن بقيت الداخلة على نسبتها. ولذلك ما يقال إنه قد انتقل وضعه. والذى يقال: إن الشكل من الوضع، لأن الشكل يتعلق بحدود بينها تجاور خاص لوضع بعضها عند بعض، فلقد يغلط من وجوه، من ذلك، أنه أخذ الحدود مكان الأجزاء.
وإنما الاعتبار فى الوضع بالأجزاء، وفى الشكل بالحدود؛ وغلط إذ حسب أن هذا الوضع من المقولة الخاصة، ولم يعرف أن هذا من المضاف؛ وإنما الوضع الذى هو المقولة هو وضع أجزاء الشئ عند شئ خارج مباين، لا وضع أجزاء الشئ فى نفسه. وغلط أيضا إذ ظن أن الشئ إذا كان متعلقا بمقولة فهو من تلك المقولة، فإن الشكل وإن كان لايحصل إلا بالإضافة بين الحدود، أو وضع أيضا، فليس يجب أن يكون الشكل وضعا؛ ألا ترى أنه لا يقال إن المربع هو عدد للحدود، ولا أن المربع هو وضع حد عند حد ؟ فإذ ليس يقال أحد ذينك عليه فلا يكون هو داخلا فى مقولته، بل يقال إن المربع حاصل عن وضع كذا، وعن حد كذا. ثم جاء قوم من بعد يعتذرون من ذلك، إذ عرفوا أنه لا يلزم أن يكون التربيع وضعا، بسبب أن الحدود تكون فيه ذوات وضع، لكنهم سلموا أن الحالة التى للحدود بعضها عند بعض هى من مقولة الوضع، وذلك لتعذر تفريقهم بين معانى الاسم المشترك، وخصوصا إذا كان متشابه المعانى، وخصوصا وكان أيضا مجتمع المعانى فى شئ واحد. فقد علمت أن الشكل لايتعلق بالوضع الذى من المقولة الخاصة، بل بالوضع الذى من الإضافة. وأما الدائرة بأنها لاتتعلق بهذا الوضع بل تتم بأن يكون لحدها هيئة مخصوصة فى الانحناء فيحصل للمحدود هيئة الشكل كيفية بكيفية.
الفصل الثانى فصل (ب) في تعريف حال الزاوية وكيفية وقوعها فى الكمية أو فى الكيفية أو الوضع وغير ذلك وتعرف حال الخلقة وكيف صارت مع التركيب الذى فيها نوعا وباقى الشكوك فى هذا الجنس من الأجناس الأربعة.
Page 126