لمن عرف المنطق. وهذه القوى التي هي مبادئ للحركات والأفعال، بعضها قوى تقارن النطق والتخيل، وبعضها قوى لا تقارن ذلك. والتي تقارن النطق والتخيل تجانس النطق والتخيل، فإنه يكاد أن يعلم بقوة واحدة الإنسان واللا إنسان، ويكون لقوة واحدة أن تتوهم أمر اللذة والألم، وأن تتوهم بالجملة الشيء وضده. وكذلك هذه القوى أنفسها أو حادها تكون قوة على الشيء وعلى ضده، لكنها بالحقيقة لا تكون قوة تامة أي مبدأ تغير من أمر آخر في آخر بأنه آخر بالتمام وبالفعل إلا إذا اقترن بها الإرادة منبعثة عن اعتقاد وهمي تابع لتخيل شهواني أو غضبي، أو عن رأي عقلي تابع لفكرة عقلية أو تصور صورة عقلية. فتكون إذا اقترن بها تلك الإرادة ولم تكن إرادة مميلة بعد، بل إرادة جازمة، وهي التي هي الإجماع الموجب لتحريك الأعضاء، صارت لا محالة مبدأ للفعل بالوجوب، إذ قد بينا أن العلة ما لم تصر علة بالوجوب حتى يجب عنها الشيء لم يوجد عنها المعلول، وقبل هذه الحالة فإنما تكون الإرادة ضعيفة لم يقع إجماع. فهذه القوى المقارنة للنطق - بانفرادها - لا يجب من حضور منفعلها ووقوعه بالنسبة التي إذا فعلت فيه فعلا، فعلت بها أن يكون يفعل بها وهي بعد قوة. وبالجملة لا يلزم من ملاقاتها للقوة المنفعلة أن تفعل ذلك، وذلك لأنه لو كان يجب عنها وحدها أن تفعل لكان يجب من ذلك أن تصدر عنها الفعلان المتضادان والمتوسطان بينهما، وهذه محال؛ بل إذا صارت كما قلنا فإنها تفعل بالضرورة. وأما القوى التي في غير ذوات النطق والتخيل فإنها إذا لاقت القوة المنفعلة وجب هناك الفعل، إذ ليس هناك إرادة واختيار تنتظر، فإن انتظر هناك فيكون طبع ينتظر. فإذا كان يحتاج إلى طبع فذلك هو إما المبدأ للأمر، وإما جزء من المبدأ. والمبدأ مجموع ما كان قبل وما حصل ويكون حينئذ نظيرا للإرادة المنتظرة. لكن الإرادة تفارق هذا من حيث تعلم، والقوة الإنفعالية أيضا التي يجب إذا لاقت الفاعل أن يحدث الإنفعال في هذه الأشياء هي القوة الإنفعالية التامة، فإن القوة الإنفعالية قد تكون تامة وقد تكون ناقصة، لأنها قد تكون قريبة وقد تكون بعيدة. فإن في المني قوة أن يصير رجلا، وفي الصبي أيضا قوة أن يصير رجلا، لكن القوة التي في المني تحتاج إلى أن تلقاها أيضا قوة محركة قبل المحرك إلى الرجلية، لأنها تحتاج إلى الفعل شيئا ما غير الرجل، ثم بعد ذلك يهيأ أن تخرج إلى الفعل رجلا، وبالحقيقة فإن القوة الإنفعالية الحقيقية هي هذه. وأما المني فبالحقيقة ليست فيه بعد قوة انفعالية، فإنه يستحيل أن يكون المني وهو مني أن ينفعل رجلا، لكنه كما كان في قوته أن يصير شيئا من قبل غير
Page 87