شيء يسمونه فاعلا يكون من شرطه أن يكون بالضرورة وقد كان مرة غير فاعل، ثم أراد أو قسر، أو عرض حال من الأحوال لم يكن، فلما قارنه ذلك المقارن كان ذاته مع ذلك المقارن علة بالفعل، وقد كان خلا عن ذلك، فيكون فاعلا عندهم من حيث هو علة بالفعل بعد كونه علة بالقوة، لا من حيث هو علة بالفعل فقط. فيكون كل ما يسمونه فاعلا يلزم أن يكون أيضا ما يسمونه منفعلا، فإنهم لا يخلونه عن مقارنة ما يقارنه من حال حادثة لأجلها ما صدر عنه وجوده ما لم يكن.فإذا ظهر أن وجود الماهية يتعلق بالغير من حيث هو وجود لتلك الماهية لا من حيث هو بعد ما لم يكن، فذلك الوجود من هذه الجهة معلول ما دام موجودا. كذلك كان معلولا متعلقا بالغير، فقد بان أن المعلول يحتاج إلى مفيده الوجود لنفس الوجود بالذات، لكن الحدوث وما سوى ذلك أمور تعرض له، وأن المعلول يحتاج إلى مفيده الوجود دائما سرمدا ما دام موجودا.
الفصل الثاني (ب) فصل كل علة هي مع معلولها في حل ما يتشكك به على ما يذهب إليه أهل الحق من أن كل علة هي مع معلولها، وتحقيق الكلام في العلة الفاعلية والذي يظن من أن الابن يبقى مع الأب، والبناء يبقى بعد البناء، والسخونة تبقى بعد النار، فالسبب فيه تخليط واقع من جهة جهل العلة بالحقيقة، فإن البناء والأب والنار ليست عللا بالحقيقة لقوام هذه المعلولات، فإن الباني العامل له المذكور، ليس علة لقوام البناء المذكور، ولا أيضا وجوده. أما البناء فحركته علة لحركة ما، ثم سكونه وتركه الحركة أو عدم حركته ونقله بعد ذلك النقل علة لانتهاء تلك الحركة، وذلك النقل بعينه وانتهاء تلك الحركة علة لاجتماع ما، وذلك الاجتماع علة لتشكل ما، وكل واحد مما هو علة فهو ومعلوله معا. وأما الأب فهو علة لحركة المني، وحركة المني إذا انتهت على الجهة المذكورة علة لحصول المني في القرار، ثم حصوله في القرار علة لأمر؛ وأما تصويره حيوانا وبقاؤه حيوانا فله علة أخرى؛ فإذا كان كذلك كان كل علة مع معلولها. وكذلك النار على لتسخين عنصر الماء، والتسخين علة لإبطال استعداد الماء بالفعل لقبول صورة المائية
Page 131