67

Shifa Calil

شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل

Investigator

-

Publisher

دار المعرفة،بيروت

Edition Number

١٣٩٨هـ/١٩٧٨م

Publisher Location

لبنان

باجتماع النحل إليه فإنها لا تفارقه وتجتمع عليه حتى تصير عليه عنقودا وهو إذا خرج غضبا جلس على مكان مرتفع من الشجرة وطافت به النحل وانضمت إليه حتى يصير كالكرة فيأخذ صاحب النحل رمحا أو قصبة طويلة ويشد على رأسه حزمة من النبات الطيب الرائحة العطر النظيف ويدنيه إلى محل الملك ويكون معه إما مزهر أو يراع أو شيء من آلات الطرب فيحركه وقد أدنى إليه ذلك الحشيش فلا يزال كذلك إلى أن يرضى الملك فإذا رضي وزال غضبه طفر ووقع على الضغث وتبعه خدمه وسائر النحل فيحمله صاحبه إلى الخلية فينزل ويدخلها هو وجنوده ولا يقع النحل على جيفة ولا حيوان ولا طعام ومن عجيب أمرها أنها تقتل الملوك الظلمة المفسدة ولا تدين لطاعتها والنحل الصغار المجتمعة الخلق هي العسالة وهي تحاول مقاتلة الطوال القليلة النفع وإخراجها ونفيها عن الخلايا وإذا فعلت ذلك جاد العسل وتجتهد أن تقتل ما تريد قتلها خارج الخلية صيانة للخلية عن جيفته ومنها صنف قليل النفع كبير الجسم وبينها وبين العسالة حرب فهي تقصدها وتغتالها وتفتح عليها بيوتها وتقصد هلاكها والعسالة شديدة التيقظ والتحفظ منها فإذا هجمت عليها في بيوتها حاولتها وألجأتها إلى أبواب البيوت فتتلطخ بالعسل فلا تقدر على الطيران ولا يفلت منها الآكل طويل العمر فإذا انقضت الحرب وبرد القتال عادت إلى القتلى فحملتها وألقتها خارج الخلية وقد ذكرنا ان الملك لا يخرج إلا في الأحايين وإذا خرج خرج في جموع من الفراخ والشبان وإذا عزم على الخروج ظل قبل ذلك اليوم أو يومين يعلم الفراخ وينزلها منازلها ويرتبها فيخرج ويخرجن معه على ترتيب ونظام قد دبره معهن لا يخرجن عنه وإذا تولدت عنده ذكران عرف أنهن يتطلبن الملك فيجعل كل واحد منهم على طائفة من الفراخ ولا يقتل ملك منها ملكا آخر لما في ذلك من فساد الرعية وهلاكها وتفرقها وإذا رأى صاحب الخلية الملوك قد كثرت في الخلية وخاف من تفرق النحل بسببهم احتال عليهم وأخذ الملوك كلها إلا واحدا ويحبس الباقي عنده في إناء ويدع عندهم من العسل ما يكفيهم حتى إذا حدث بالملك المنصوب حدث مرض أو موت أو كان مفسدا فقتلته النحل أخذ من هؤلاء المحبوسين واحدا وجعله مكانه لئلا يبقى النحل بلا ملك فيتشتت أمرها ومن عجيب أمرها أن الملك إذا خرج متنزها ومعه الأمراء والجنود ربما لحقه إعياء فتحمله الفراخ وفي النحل كرام عمال لها سعي وهمة واجتهاد وفيها لئام كسالى قليلة النفع مؤثرة للبطالة فالكرام دائما تطردها وتنفيها عن الخلية ولا تساكنها خشية أن تعدي كرامها وتفسدها والنحل من ألطف الحيوان وأنقاه ولذلك لا تلقي زبلها إلا حين تطير وتكره النتن والروائح الخبيثة وأبكارها وفراخها أحرس وأشد اجتهادا من الكبار وأقل لسعا وأجود عسلا ولسعها إذا لسعت أقل ضررا من لسع الكبار ولما كانت النحل من أنفع الحيوان وأبركه قد خصت من وحي الرب تعالى وهدايته لما لم يشركها فيه غيرها وكان الخارج من بطونها مادة الشفاء من الأسقام والنور الذي يضيء في الظلام بمنزلة الهداة من الأنام كان أكثر الحيوان أعداء وكان أعداؤها من أقل الحيوان منفعة وبركة وهذه سنة الله في خلقه وهو العزيز الحكيم فصل: وهذه النمل من أهدى الحيوانات وهدايتها من أعجب شيء فإن النملة الصغيرة تخرج من بيتها وتطلب قوتها وإن بعدت عليها لطريق فإذا ظفرت به حملته وساقته في طرق معوجة بعيدة ذات صعود وهبوط في غاية من التوعر حتى تصل إلى بيوتها فتخزن فيها أقواتها في وقت الإمكان

1 / 68