Al-shiʿr al-shaʿbī al-fūlklūrī: dirāsa wa-namādhij
الشعر الشعبي الفولكلوري: دراسة ونماذج
Genres
والأمر هنا ليس بشاق طالما أن الراوي ذاته يعمل في تجارة الحصر والمنتجات الخوصية بالعاصمة البعيدة عن بلدته، وحيث لا توجد زوجته الحسناء الشابة ويتغيب عنها بالشهور.
كذلك من ملاحظاتي على الآداب الدينية والشعائرية وجمهورها من الحرفيين بأكثر من الفلاحين المرتبطين بالأرض والزرع، بل إن من العمال الزراعيين والأجراء والمعتوهين والصنع من يتخذ طريقه مباشرة إلى بحار الدروشة والإغراق في الطرق الصوفية، وحلقات الأذكار والأوراد والزار، وجلسات التخمير والمخاواة.
بما يمكن أن يشكل إحدى ظواهر الشعائر - أو الطقوس - الهامشية الأقرب إلى أن تصبح شعائر تجميع تنتهي بالقطع إلى مدلولات سياسية.
وكيف أن المصابين بأمراض عشق المخاواة - أو الإنسي بالجنية - يفرطون في الميل إلى حفظ الأغاني والمأثورات والأهازيج الدينية التي تعرف ب «أغاني التخمير»، ويلاحظ الاشتقاق اللغوي وعلاقته بالخمر وأنهم عادة ما يقيمون فرادى أو عزاب في أماكن مظلمة أو لم تدخلها الكهرباء بعد. مع ملاحظة أن «المخاواة» ليست بقاصرة تماما على الشخص الأعزب، بل هي تلاحق أيضا المتزوجين، وعادة ما تتسبب في الطلاق والانفصال أو في نشوب ذلك الصراع بين كلا الجنية والإنسية، أو الزوجة المخاوية ساكنة تحت الأرض أو أعماق البحار وضرتها البشرية الفعلية الواقعية في الطبيعة، بل وفي ملف المحاكم الشرعية آلاف الحالات التي يرد فيها ذكر الزوجة الجنية المخوية باسمها وسماتها، وينشب الصراع الضاري.
كما أن من سمات المصابين بهذا العشق الإنسي للجنية ارتباطهم أكثر بما يسود من غيبيات في مجتمع أمي جبري، فهم لا يبعدون كثيرا عن جماهير الأذكار والطرق الصوفية وحفلات الزار ومنشدي دلائل الخيرات والأوراد في شكل كورس يرددون غناء جماعيا دينيا أو شعائريا محيطين بنعش المتوفى. وتشير كثرة أعدادهم بملابسهم «الفقهية» واتساع شهرتهم وأصواتهم كصييتة أو منشدين إلى مهابته - الميت - ومركزه الاجتماعي وعلو شأنه، بل وخوف الأحياء أنفسهم من سطوة الميت وتهجمه على الأحياء عبر لحظات متوترة مصاحبة لخروج تابوت الميت أو نعشه وتخطيه لعتبة داره، والطواف به على طول الطريق المؤدي إلى المقبرة، حيث قد تتعرج هذه الطرقات تبعا لزيارات الميت وما يبديه لحملة جثمانه الأربعة من كرامات وقدرات، تتضاعف تبعا لسطوته بين أقرانه من الأحياء وعلى مستويات عدة؛ من مادية اجتماعية وشعائرية أو دينية، كأن يكون مريد طريقة أو وليا أو شقيا أقرب إلى ما يعرف ب «الأبضاي».
فتبعا لما أسماه الفولكلوري الإثنوجرافي الفرنسي «فان جنب» ب «شعائر الانفصال» أو الغياب بالموت والأسفار، تشتد حاجة الأحياء إلى الحماية لحظة الجنازة والدفن، سواء بإحداث الإيقاعات والتراتيل الدينية والأصوات العالية الجماعية أو إطلاق الأعيرة النارية، التي هدفها إضفاء أكبر قدر من التحمل والالتئام والهلع من جانب الأحياء بإزاء الميت كلما علت هامته.
وعادة ما يعقدون حلقات إنشادهم في المقابر والاحتفالات الموسمية الدينية وطرق تغسيل الموتى وأساليب الدفن والتلقين، وما يجب أن يرد به الميت ثابتا في مواجهة محكمته أو محاكمته حين يزوره الملكان ليستجوبانه في قبره عن ربه ودينه، وكاره وذنوبه، وتوبته، وربما الطريقة التي كان ينتمي إليها، وأي عهد أخذ وعلى من من الأولياء، وشيوخ السجادة من أوليائه، بل ويصل الأمر إلى حد الإشارة والإنقاذ من جانب الملقنين للتحايل على الذنوب والخطايا.
كما أنهم يوجدون بدورهم - المنشدين - داخل محاريب المساجد وأماكن العبادة، ويكثر وجودهم وسمرهم وغناؤهم، الذي امتد إلى أجهزة الإعلام الإلكتروني من راديو وتليفزيون، في شهر رمضان، وما تزال لسوريا والأردن الصدارة في هذا اللون الإنشادي.
وبالمقابل يحتفى بهم إلى حد كبير حتى أيامنا في المغرب العربي وتونس، ويصل بعض حفظة هذه التراتيل الغنائية الكورالية إلى أقصى درجات الشهرة والهيمنة والقدرات الصوتية في السعودية وتونس، فهم عادة ما يتغنون - طبعا - بجمال النبي الجسدي ومعجزاته:
من معجزات النبي باض اليمام على العز
Unknown page