142

Sheikh Saad Al-Breik's Lessons

دروس الشيخ سعد البريك

Genres

الأوهام العنكبوتية في حقيقة الأمر -أيها الإخوة! - كثيرٌ من شبابنا، كثيرٌ من أحبابنا، كثيرٌ من إخواننا -ولعل من بينكم من هو منهم، أو أكون أنا منهم- يبني حول نفسه أوهامًا من خيوط العنكبوت، ويظن أنه إذا تحرك فإن عشرات الأعين تراقبه، وآلاف الأجهزة ترصد حركته، ومئات الناس يسجلون ما يفعل خطوة خطوة، وهذا مما يصدق فيه قول الله جل وعلا: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة:٢٦٨] يصور لك الشيطان أنك حينما تريد أن تقف على قارعة الطريق وتجد شبابًا تريد أن تجلس معهم، فتعطيهم كلمتين، وليس من شرط هذه الكلمة أن يقبلوها، أو يستجيبوا أو يهتدوا، أو يلتزموا بأول وهلةٍ أنت تخاطبهم أو تكلمهم فيها، لا. يظن البعض أنه لو أراد أن يقدم شريطًا أو أراد أن يقدم هدية أن حوله عشرات الأجهزة تراقبه وترصد حركته، ولذلك تجد بعضهم يقول: لا. أنا أختار أسلوبًا آخر، أو أنا من الناس الذين لا أرى هذا المنهج، أو هذه الطريقة وهلم جرًا. وليت عدم رؤيته لهذا الأمر من اجتهادٍ توصل إليه بعد باعٍ طويل في علمٍ وفقه، وليس كذلك إلا أنه يظن أن حركاته وسكناته مراقبة ومتابعة، وهب أنك توبعت وروقبت في كل صغيرة وكبيرة، هل سيصدك هذا عن الدعوة إلى الله جل وعلا؟ هل سيردك هذا عن الدعوة إلى الله جل وعلا؟ هل هذا سوف يمنعك أن تنال حظك في منازل الأبرار والشهداء والصديقين والصالحين عند الله ﷾؟ إذًا: لماذا نبني هذه الخيوط، يقول لي ذات مرة شاب من الشباب الصالحين: أنا رأيت أربعة رجال يراقبونني، فسقطت ضحكًا، من أنت حتى يراقبك أربعة، أو واحد أو نصف واحد أو امرأة أو نصف امرأة؟ لماذا تخلق حول نفسك هذا الوهم العنكبوتي الذي لا حجة لك به؟ هل عشت في مجتمع الثورة البلشفية؟ أم أنك تعيش في لينين قراد أو تعيش في المجر، أو في دول الكتلة الشرقية قبل تحول الوضع الشيوعي؟ لماذا تخلق هذا الوضع حول نفسك؟ لست بحاجة أن تتصور هذا، ولكن الشيطان سول لك وخيل، وجعلك تتصور أنك تعيش في هذه الدائرة، وبالمناسبة هذا من الأساليب النفسية التي يؤثر بها على دعاة الإسلام في بعض بلدان العالم، ويسمونها بالمضايقة النفسية أو بعبارة تشابه هذا المعنى، يبدأ الإنسان يتضايق، يرفع السماعة يخشى أن يقول كلمة، يخرج من البيت يخشى أن ينظر إليه أحد، يمد شريطًا يتوقع أن الكاميرا قد صورته، يقرأ كتابًا يظن أنه قد حقق به وهلم جرًا!! إن الله جل وعلا قد خلقك حرًا، وأبقاك حرًا، بل ولعن من أراد أن يجعلك رقيقًا: (ثلاثة لعنهم الله جل وعلا -وذكر منهم- رجلٌ باع حرًا فأكل ثمنه) أنت تعيش حرًا وستمضي حرًا، وستفضي إلى الله حرًا، فلا تخلق حول نفسك هالة من الأوهام العنكبوتية التي تتخيل أو تتوقع بها أنك يوم أن تفعل شيئًا في دين الله جلا وعلا سوف تنتهي من قائمة الناس الأسوياء وغيرهم، ربما يأتيك الشيطان ويقول لك: لا حرج. ولكن هذا قد يعرقل مواصلة سيرك الوظيفي، إذا كنت رجلًا طموحًا في الوظيفة وترغب أن ترشح لأعلى المراتب، فانتبه، قف عند حدٍ معين، لا تتمادى بوضع معين حتى تستطيع أن تصل يومًا ما. وأقول: ربما يكون الإنسان على خطرٍ في معتقده إذا أوغل في هذا الظن واعتقده، وظن أن الخلق يستطيعون أن يكفوا أو يمنعوا رزقًا قسمه الله له. وكما في حديث ابن عباس الذي تحفظونه: (يا غلام! احفظ الله يحفظك -إلى أن قال- واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) إذا كان الإنسان يخشى على رزقه، فالله جل وعلا هو الذي خلقك وتكفل برزقك: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ [هود:٦] وكما في الحديث: (جاءني جبريل ونفث في روعي: يا محمد! إنه لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها) والله لو بقي لك في الدنيا عشرة ريالات لتقاتلت الدنيا حتى تصل: (لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) ما قال: تشاحوا، تخوفوا، خافوا على الطلب، بل أجملوا في الطلب، أدنى أمرٍ من أمور بإذن الله جل وعلا يكون سببًا لوصول ما كتبه الله جل وعلا لك. وإذا كان الخيط العنكبوتي الذي ينسجه الشيطان حولك أيها الأخ المسلم بأنك ربما تموت أو ربما ينتهي أجلك، أو ربما تخترم روحك قبل بلوغ أجلها، فهذا أخطر من الذي قبله، أن تعتقد أن قوةً من قوى البشرية تستطيع أن تخترم من أجلك يومًا أو ساعة واحدة قبل تمام أجلك، وكما كان الإمام علي ﵁ يردد أبياته المشهورة: أي يوميَّ من الموت أفر يوم لا يقدر أم يوم قدر يوم لا يقدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر فلماذا التخوف إذًا؟ أقول: إن كثيرًا من الشباب تجد فيهم عزوفًا عن الدعوة إلى الله جل وعلا، ليس كرهًا في الدعوة، وربما ليس عجزًا أو ضعفًا، بل هو قادر، ولو ناقشته لوجدته أفقه منك أيها المحاضر! وأعلم منك أيها الخطيب! وأصلح منك أيها المتكلم! وأجدر وأقدر في مخاطبة الناس، ولكن فيه أمرٌ لا زال ممسكًا به لم يجعله ينطلق في عالم الدعوة إلى الله جل وعلا، ألا وهو الخوف أو الأوهام العنكبوتية التي نسجها حول نفسه، إما على خطرٍ وإما على رزقٍ وإما على موت. أقول: ليس هذا مجال تفصيل، وهذه الأمور كلها بيد الله، ولكن هذا واحدٌ من الأسباب التي تجعل كثيرًا من الشباب يا للأسف يعزف عن هذا الأمر.

8 / 6