Durūs al-Shaykh ʿAbd al-Ḥayy Yūsuf
دروس الشيخ عبد الحي يوسف
Regions
Sudan
بيان جزاء من أعطى واتقى وصدق بالحسنى
يقول الله ﷿: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل:٥ - ٧].
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى﴾ [الليل:٥] قال قتادة ﵀: أي: أعطى حق الله، واتقى محارم الله، والحسنى هي: الإسلام.
وقيل: لا إله إلا الله.
وقيل: الجنة.
ويشهد لهذا قول الله ﷿: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس:٢٦].
وقال ابن عباس ﵄: الحسنى، أي: أيقن بالخلف من الله، وأن الله ﷿ سيخلف عليه.
﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل:٦] صدق بالإسلام، بلا إله إلا الله، بالجنة، بأن الله سيخلف عليه.
﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل:٧] سنيسره للخصلة الميسرة المؤدية إلى الخير الباعثة على الهدى.
هذه الآيات نزلت مبشرة جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم، وعلى رأسهم صديق هذه الأمة أبو بكر ﵁، هذا التقي النقي الجواد الكريم الباذل ماله في رضا الله ورسوله ﷺ.
مر على بلال ﵁ وقد ألقي في حر الشمس بعد أن أجاعوه وعطشوه ووضعوا على صدره الصخرة العظيمة، ودفعوه إلى غلمان قريش يتقاذفونه كالكرة.
فقال أبو بكر ﵁: يا أمية! أما آن لك أن ترحم هذا المسكين؟! أما تتقي الله فيه؟ فقال له الكافر الخبيث: يا أبا بكر! أنت الذي أفسدته، فإن شئت خلصه، فقال أبو بكر ﵁: بكم تبيعه؟ قال: بعشر أواق.
فذهب أبو بكر ﵁ فعد المال نقدًا، ثم جاء به إلى أمية، وبعدما أمسك الخبيث بماله قال: أما لو أبيت إلا أوقية لبعتك، قال أبو بكر: والله لو أبيت إلا مائة لاشتريت.
فأنزل الله ﷿ هذه الآيات.
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى﴾ [الليل:٥] أبو بكر ﵁ أعطى حق الله، واتقى محارم الله، وصدق بالخلف من الله ﷿ ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل:٧].
وروى ابن أبي حاتم ﵀، عن ابن عباس: أن رجلًا كانت له نخلة فرعها مائل في بيت رجل من الأنصار، فكان هذا الرجل صاحب النخلة إذا صعد ليأخذ شيئًا من تمرها ربما سقط شيء من التمر من الفرع المائل في بيت الأنصاري الفقير، فيأخذ أولاده ذلك التمر فيأكلون منه، فيشرع ذلك الرجل فيجمع التمر، بل ربما يخرجها من فم الصبي الصغير، فاشتكي الفقير إلى رسول الله ﷺ، فقال له ﵊: اذهب، ثم لقي صاحب النخلة، فقال له: يا فلان! أرأيت نخلتك المائل فرعها في دار فلان؟ قال: بلى، قال: أعطنيها ولك بها نخلة في الجنة -فيبدو والله أعلم أن الرجل كان منافقًا- فقال: لقد أعطيت -أي: الثمن طيب- ولكن تمرها أحب إلي من كل شيء، فهو لا يريد أن يبيعها بنخلة في الجنة.
وكان رجل من الصحابة اسمه ابن الدحداح ويقال له أبو الدحداح، فسمع هذا الكلام، فذهب لذلك الرجل وقال له: أتبيعني نخلتك المائل فرعها في دار فلان، فقال له ذلك الرجل: لعلك سمعت أن محمدًا قد أعطاني بها نخلة في الجنة.
قال له: بلى.
قال له: فإني لا أبيعها إلا بأربعين نخلة.
فقال له: نخلتك المائل فرعها بأربعين نخلة لقد سألت عظيمًا، قال: لا أريد غير ذلك، فسكت الرجل ﵁ حينا، ً ثم قال له: قد اشتريت.
فقال له: إن كنت صادقًا فأشهد من كان حاضرًا على أنه قد باعه حائطه الذي حوى أربعين نخلة بتلك النخلة المائل فرعها، فلما تمت الصفقة جاء ابن الدحداح إلى رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله! أرأيت ما قلت لفلان؟ قال: بلى.
قال: أرأيت لو أني قد أعطيتكها أتعطيني نخلة في الجنة؟ قال: بلى.
قال: فهي لك يا رسول الله اصنع بها ما شئت.
فهذا الرجل أعطى تلك النخلة للرسول ﵊، والنبي ﷺ ذهب للأنصاري الفقير، وقال له: النخلة لك ولعيالك، وما مضى إلا قليل على أبي الدحداح ﵄، والنبي ﷺ كان يضعه في لحده ويقول: (كم من عذق معلق في الجنة لـ أبي الدحداح)، باع فانيًا بباقي، وعاجلًا بآجل ﵁ وأرضاه.
وأنزل الله ﷿ هذه الآيات في شأن هؤلاء، ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل:٥ - ٧]، يعينه الله ﷿ ويوفقه من خير إلى خير، ومن حسنة إلى حسنة، ومن طاعة إلى طاعة.
19 / 15