سبل اقتحام العقبة
قال الله: ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ [البلد:١١] هلا اقتحمت العقبة يا ابن آدم؟! قال ابن عمر: العقبة: جبل في جهنم.
وقال غيره: بل هو الصراط المضروب على جهنم، وقال آخرون: هي جهنم نفسها.
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ﴾ [البلد:١٢]، كيف نقتحم العقبة؟ دلنا ربنا ﷻ على ثلاث سبل: السبيل الأول: ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ [البلد:١٣] تعتق من كان رقيقًا، كما في الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من أعتق نفسًا مسلمة أعتق الله بكل عضوٍ عضوًا حتى ليعتق اليد باليد، والرجل بالرجل، والفرج بالفرج).
وفي الحديث الآخر: (من بنى لله مسجدًا يذكر الله فيه بنى الله له بيتًا في الجنة، ومن أعتق نفسًا مؤمنة أعتقه الله من النار، ومن شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة).
السبيل الثاني: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ [البلد:١٤]، إطعام الطعام في يوم ذي مسغبة، في يوم فيه مجاعة، فيه أزمة ومخمصة، في يوم ذي مسغبة نطعم من يا ربنا؟ ﴿يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ﴾ [البلد:١٥] فهو يتيم ومن الأرحام، قال النبي ﵊: (من أطعم مسلمًا على جوع أطعمه الله يوم القيامة، ومن كسا مسلمًا على عري كساه الله من حلل الجنة)، أطعم يتيمًا من الأرحام، (خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه).
﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد:١٦]، إنسان مسكين من شدة مسكنته وعظيم فاقته التصقت يده بالتراب فما عاد يستطيع القيام، ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد:١٦].
السبيل الثالث: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ [البلد:١٧]، فلو أنك أعتقت رقبة، وأطعمت مسكينًا، وكفلت يتيمًا من غير إيمان فلن ينفعك كل هذا، ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان:٢٣] ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ﴾ [النور:٣٩] كرماد لا ينفعهم عند الله.
وقد سألت عائشة ﵂ الرسول ﵊ فقالت: يا رسول الله! إن عبد الله بن جدعان كان يصل الرحم، ويطعم الطعام، ويكسو العاري، ويحمل على إبله لله، فهل ينفعه ذلك شيئًا؟ فقال النبي ﷺ: (لا ينفعه ذلك شيئًا؛ لأنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين).
ما سينفعه، لماذا؟ لأن الله قال: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [النحل:٩٧].
وقال: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإسراء:١٩].
ولذلك فإن رهبان النصارى يتعبدون، وأحبار اليهود وعباد الوثن وغيرهم يتعبدون؛ لكنهم حصب النار؛ لأنه لا يوجد لديهم إيمان صحيح، فمن أراد الفوز فلابد أن يكون من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة، أوصى بعضهم بعضًا بالصبر، وأوصى بعضهم بعضًا بأن يرحموا خلق الله: (الراحمون يرحمهم الرحمن).
(من لا يرحم لا يرحم).
(ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) ﴿أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ [البلد:١٨] أي: أصحاب الجنة.
18 / 33