فتنهد قائلا: كم أحلم باستقرارك في بيتك.
أقبلت نحوه حتى وقفت أمامه في ردائها المكون من قميص أزرق وبنطلون رمادي، وسألته: خبرني متى تشرع أنت في العمل؟
الصوت الذي يخشاه يتكلم. الوعد لديها ميثاق دولي. تذكر لقاء الخطوبة الثالث عندما بدا أنها تميل للموافقة عقب إصرار طويل على الرفض. وقتها سألته: متى تخرجت؟
فأجاب ببساطة: منذ ستة أعوام. - ولماذا بقيت بلا عمل؟ - لست في حاجة إلى العمل كما تعلمين. - لكنه العمل الذي يخلق الإنسان لا دخل خمسمائة جنيه. - لا ينقصني شيء، وإني لخبير في التعامل مع الوقت، لي مكتبة ضخمة، لي أصدقاء، ثم إنني لم أقتنع بعمل أبدا ... - إن كنت تضيق بالوظيفة فافتح مكتبا للمحاماة، صديقاك عبد الباري خليل وعدلي جواد محاميان، صديقك وهدان المتجلي قاض. - إنهم في حاجة إلى العمل. - الإنسان بلا عمل عرضة للرعب. - الرعب؟! - الضجر، العادات السيئة، العزلة ... - قد توجد جميعا مع العمل. - الاستثناء يؤيد القاعدة ولا يهدمها. - هناك الزواج والأبناء. - العمل أيضا مهم، إنه لأمر مهين أن يخطر الإنسان في الحياة بلا عمل.
ولما كان متلهفا على الظفر بها فقد قال: سأجرب ذلك. - في أقرب فرصة.
فحنى رأسه بالإيجاب. تجاوز عن مزاجه الراسخ من أجل الحب. وتأثر بنظرة عينيها وثبات نبرتها تأثرا أشاع في نفسه الحذر والتوجس. وتذكر موقفها الرافض للزواج حتى شارفت الثلاثين فازداد حذرا وتوجسا. وتساءل هل يعثر تحت ذلك السطح الصخري على ينبوع من ماء الأنوثة العذب، تساءل مرتين ولكنه كان يحب حبا عنيدا أيضا. وآلمه شعوره القديم بضعف شخصيته. كان وما زال ناقدا قاسيا للذات فلم تخف عليه علله. إنه الآن يضع أمله في حياة زوجية متوازنة في الحب، حبها المتصاعد له. ستحبه كما أحبها وأكثر، بل لعلها أحبته بالفعل، فهمسات الفؤاد الخفية لا تغيب عن الوجدان اليقظ.
قالت بفخار: ملف خدمتي يحوي أجمل الشهادات بكفاءتي في العمل. - طبعا. - طبعا؟ لماذا؟ - إنك تتحرين الكمال في كل شيء. - أيرضيك ذلك؟ - بلا أدنى ريب، ولكني أحب أيضا الاعتدال! - يا لك من رجل طيب.
ماذا تعني يا ترى؟ أما هي فتساءلت: كيف كنت تمضي يومك؟
فقال مستبشرا: كنت أبدأ يومي بالسباحة طيلة أيام السنة عدا الشتاء فألعب التنس، فآوي إلى مكتبي حتى الغداء، أذهب إلى لقاء عبد الباري ووهدان وعدلي بركننا المختار في الفردوس، وقد أذهب إلى سينما أو أمضي السهرة أمام التلفزيون. - إنهم يستريحون من العمل، أما أنت فتواصل حياة الفراغ.
فابتسم بلا تعليق، فقالت: قراءاتك متنوعة، يسرني أنك تضم إليها العلم أخيرا، لكن لأي هدف تقرأ؟ هل حلمت يوما بالتأليف؟ - أبدا. - وفي المقهى كنت تشرب الويسكي؟ - بضع كئوس.
Unknown page