فهز رأسه نفيا وقال: من الضروري أن تسبقهم بالرغبة والخطوات الأولى، ثم عليك أن تشركهم في التجربة، فالمقاومة الأولى مهمة جدا باعتبارها مقويا لا غنى لك عنه، ثم يجيء التعاون المثمر، تذكر دائما أن عملنا تعاوني وليس فرديا.
فتمتمت في حيرة: إنهم في واد بعيد ... بعيد ... - انتشلهم من الفراغ وادفعهم إلى العمل، هذه هي الخطوة الأولى ...
فتساءلت في دهشة: أنسيت ما قلت مرارا عن التحرر من العمل؟
فقال بوضوح: نحن في مرحلة العمل، ولن نتحرر من العمل إلا بالعمل، والفراغ المنشود هو الفراغ المثمر الحافل بالعمل الإنساني، وقد أقنعت زوجتي - وهي تماثل زوجتك في تعليمها - بالعمل عضوا في جمعية رعاية الأيتام، ابنتي الكبرى ست ومربية وهو عمل، أما الأخريان فستكونان طبيتين. - المشكلة العسيرة هي وفيق فهو يعتقد أن عمله غاية الغايات.
فقال بأسى: إذا اعتبرنا العمل نشاطا منتجا لخدمة الفرد والجماعة فوفيق عاطل بلا عمل، الأدهى من ذلك أنه يقوم بنشاط مخرب، وهو أشبه بتجار الحبوب المخدرة القاتلة!
بذلك كشف عن رأيه في عملي أنا أيضا فليس وفيق إلا امتدادا لي. أخذت لحد الفزع ولكني قلت: أمره هين رغم ذلك. - كيف؟ - إني صاحب المال، وأستطيع إرغامه على التحول إلى النشاط الإنتاجي!
فهتف: احذف «الإرغام» من قاموسك، لا تتبع طريق الحكام الذين يمهدون للديمقراطية بمناهج دكتاتورية، أو يحققون العدل بالظلم، إنه طريق سهل لأنه يقوم على القوة لا التربية.
وصمتنا ولكننا واصلنا تبادل الأفكار بالنظرات حتى اقتحمني خاطر كما يقتحم القذى فقلت: سوف ألقى من المجتمع حرجا أشد!
فوافقني بهزة خفيفة من رأسه فقلت: طالما عددت من العمد المرضي عنها.
فقال بوضوح: لن يتيسر لك السير إلا بقهر الكذب والخوف.
Unknown page