مقدمة
زيارتي الأولى لمصر
أول ما قرأت لشوقي
اجتماعنا الأول في باريس
صداقة ومكاتبات
معارضات
صنعة الشعر وإبداع شوقي فيها
انصراف شوقي إلى الشعر
القول في مدح الأمراء والملوك
عفة لسان شوقي وبعده عن الهجاء
Unknown page
شوقي في بداية أمره
نموذج من رسائل شوقي
شوقي في سورية
جفوة لا سبب لها
اجتماع بعد انقطاع
حفلة السوق الخيرية
سفر المؤلف إلى حرب طرابلس
لقاء في باريز بعد الحرب العامة
شوقي واليازجي
عود إلى شوقي
Unknown page
الوداع الأخير
رأي المؤلف في أشعر الشعراء
قبيل وفاة شوقي
من الذي راض شوقي وحافظا في الشعر
أماثيل من شعر شوقي
مقدمة
زيارتي الأولى لمصر
أول ما قرأت لشوقي
اجتماعنا الأول في باريس
صداقة ومكاتبات
Unknown page
معارضات
صنعة الشعر وإبداع شوقي فيها
انصراف شوقي إلى الشعر
القول في مدح الأمراء والملوك
عفة لسان شوقي وبعده عن الهجاء
شوقي في بداية أمره
نموذج من رسائل شوقي
شوقي في سورية
جفوة لا سبب لها
اجتماع بعد انقطاع
Unknown page
حفلة السوق الخيرية
سفر المؤلف إلى حرب طرابلس
لقاء في باريز بعد الحرب العامة
شوقي واليازجي
عود إلى شوقي
الوداع الأخير
رأي المؤلف في أشعر الشعراء
قبيل وفاة شوقي
من الذي راض شوقي وحافظا في الشعر
أماثيل من شعر شوقي
Unknown page
شوقي
شوقي
صداقة أربعين سنة
تأليف
شكيب أرسلان
مقدمة
ما حال حولان على انتقال شوقي - رحمه الله - إلى عالم الخلود حتى رأيت الناس كأنهم قد نسوا أمير الشعراء، ومن عادة الناس أنهم مهما كان الفائت عظيم القدر تناسوه سريعا، ونشدوا غيره على حد ما قال أحد الشعراء:
في الحال يعتاضون منه بغيره
ويعود رب الحزن غير حزين
الورد كان العندليب حليفه
Unknown page
لما انقضى غنى على النسرين
ولكني أرى مثل شوقي جديرا كلما مضت عليه السنون بأن يزداد حياة في النفوس، ويعظم قدرا في الصدور؛ لأن الخلود إنما يكون لمثله وهل المتنبي اليوم أقل حياة بروحه مما كان في عصره وهو حي بجسمه؟ وهل صاحب الشوقيات التي شرقت وغربت وأحزنت وأطربت ورواها الحادي والعادي وامتلأت بها الحواضر والبوادي يجوز أن ينساه ناطق بالضاد، أو يزهد فيه ضارب من الأدب بسهم ولو في برك الغماد؟!
وقد كنت لما فجع الأدب العربي بطي هذه الصحيفة البشرية العبقرية التي يقال لها: أحمد شوقي، وعدت بأن أنشر عنه وعن ذكرياتي معه كتابا أسميه «شوقي أو صداقة أربعين سنة» وحالت الأشغال والأسفار وما يتقاذفني من عوامل الأقدار دون إخراج هذا الكتاب الذي لا يزال يحك في صدري، ولما مررت على فلسطين في هذا الصيف قافلا من جزيرة العرب وتلاقيت مع صديقي سراج العرب وطراز الأدب الأستاذ إسعاف النشاشيبي، حفظه الله، وهو من عشاق أدب شوقي والمولعين بحفظ آثاره وإحياء تذكاره، استنجزني ما كان من وعدي من وضع هذه الرسالة الشوقية، ولما اعتذرت له بما أنا فيه من مشاغل ومشادة أجابني: إن الأليق بوفائك والأخلق بأخلاقك هو أن تقدم هذه الرسالة على غيرها من الرسائل، وأن تبادر بإنجاز وعد وعدته صريحا في حق صديقك وأخيك الذي ذكره عندك مقدس وقدره لديك مرجب، فوجدت كلامه في محله، وعولت على ألا أماطل في هذا الدين الذي يجب إيفاؤه لأهله.
زيارتي الأولى لمصر
سنة 1890 كانت أول قدمة لي إلى مصر وكنت بين العشرين والواحدة والعشرين من العمر فمكثت شيع شهر في الإسكندرية، ثم جئت إلى مصر وكان أكثر اجتماعنا ذلك الوقت بأستاذنا الإمام الشيخ محمد عبده وبرهطه المعهودين؛ سعد أفندي زغلول وأخيه فتحي، والشيخ علي الليثي والشيخ عبد الكريم سلمان وإبراهيم أفندي اللقاني وحفني أفندي ناصف، والسيد أحمد محمود من الرحمانية، والسيد إبراهيم الوكيل من دمنهور، والشيخ علي يوسف لأول ظهور «المؤيد»، وأحمد زكي باشا الذي هو خاتمة من أتذكره من رجال تلك الحلقة، رحمهم الله أجمع. وكانت اجتماعاتنا متواصلة وأسمارنا متطاولة ومذاكراتنا للقاصي والداني شاملة، ولكننا لم نكن نسمع في ذلك الوقت بشخص يقال له «شوقي» ولا أحسسنا له ركزا.
ولما برحت مصر كان المرحوم الخديوي توفيق في الإسكندرية، فقال لي أستاذنا الشيخ محمد عبده: إنه لا يكون خطأ، إذا ذهبت إلى سراي رأس التين وودعت الجناب العالي الخديوي، ونظمت له بعض الأبيات؛ لأن من عادة الشعراء أن يتحفوا بشعرهم الملوك. وكان الأستاذ - رحمه الله - لا يرغبني في الشعر، وما عهدته أوصاني بنظم شيء إلا مرتين لا غير؛ إحداهما عندما طبعت ديواني المسمى «الباكورة»، وهو مجموع ما نظمته من سن الرابعة عشرة إلى السابعة عشرة من العمر، فلما اطلع عليه في بيروت قال لي لأبعث منه بنسخة إلى المرحوم عبد الله باشا فكري، وكان من أعز أصدقائه، وأن أبعث مع النسخة بأبيات تناسب المقام؛ فأرسلت نسخة من الباكورة إلى عبد الله باشا ومعها أبيات لا أتذكرها جميعا، وليست عندي الآن صورتها، وإنما أذكر منها ما يلي:
بذذت الناس في نظم ونثر
وفقت الخلق من بدو وحضر
فكيف يقوم عندك نزر شعر
يذيب الرعب منه كل شطر
Unknown page
ولما كان ديواني إذ ذاك خاليا تقريبا من الغزل والتشبيب أشرت إلى هذا المعنى بقولي:
جعلت القول في سيف ورمح
وعفت النظم في قد وخصر
فإني عاشق غرر المعالي
ولي نفس فداؤك نفس حر
إذا فكرت يوما في كلام
يكون بمدح «عبد الله فكري»
فتلقى عبد الله باشا - رحمه الله - «باكورتي» والأبيات التي تصحبها بأحسن قبول، وأجاب على الشعر بقصيدة من نظمه المنسجم المهلهل رقة وسلاسة؛ فهو يقول:
أتت تختال في حبر وحبر
على العشاق لا كبر وكبر
Unknown page
منعمة الشبيبة لم يرعها
مشيب في العذار أقام عذري
لقد وافت على سحر تريني
بدائع نظمها نفثات سحر
ألا حيا ربى بيروت عني
ولبنان الحيا منهل قطر
بدر يملأ الأرجاء درا
ويمزج ترب أرضيها بتبر
وحيا من بها ربي وحيا
زمانا مر فيها غير مر
Unknown page
وأظن هذه القصيدة منشورة في ديوان عبد الله باشا، وهو يشير إلى تجانفي عن العبث والتشبيب في أبيات أتذكرها:
وإن يلعب فما لعب بعيب
لعهد صبا وشرخ شباب عمر
ولكن تأنف الهمم العوالي
على رغم الصبا سفساف أمر
تحرم قرب أمر فيه إمر
وتوجب هجر كل مقال هجر
فأما المرة الثانية التي أشار فيها شيخنا بالشعر، فهي عندما ذهبت إلى الإسكندرية قاصدا السفر منها إلى الآستانة، فأوصاني أن أقدم إلى الخديوي توفيق أبياتا؛ فذهبت إلى رأس التين وقابلت المرحوم الخديوي توفيق ولم أنشده الأبيات، وإنما بعد الانصراف دفعتها إلى قلم المعية السنية، وما مضى يومان قبل أن أبحر إلى الآستانة حتى رأيت قصيدتي منشورة في جريدة الوقائع المصرية؛ أي جريدة الحكومة الرسمية، وقد كان الأستاذ الشيخ عبد الكريم سلمان رئيسا لتحرير الوقائع، وكان له قلم سيال ونثر أشبه بالقطر إذا انثال، فانتهز هذه الفرصة وأورد بمناسبة القصيدة مقدمة أوسع فيها هذا الناظم ثناء وإطراء، وليس عندي محفوظا بكثرة ما تناثر من أوراقي بين المشرق والمغرب عدد الوقائع الذي فيه هذه القصيدة وإنما أذكر منها ما يلي:
أقول لنطقي اليوم إن كنت مسعدي
إذن أرق أسباب السماء بمصعد
Unknown page
وانظم من القول النفيس فرائدا
تنزل شعرى الأفق في شعر منشد
إذا أنا لم أوف المكارم حقها
من الشكر في سلك القريض المنضد
فلا شغفت لي بالمكارم مهجة
ولا عز آبائي ولا طاب محتدي
ولا بلغت بي رتبة من مكانة
أنال بها لقيا العزيز محمد
وأذكر علياه وذكر محمد
ألذ كلام قيل بعد التشهد
Unknown page
عزيز حمدت الدهر عند لقائه
ومن لقي التوفيق للسير يحمد
ولا غرو أن حنت لتقبيل كفه
على البعد نفس تلمس النجم باليد
وشاقت له رب الرقائق طلعة
لعمرك تذكي الشوق في قلب جلمد
ومنها:
لقد كف كف الدهر أصمت سهامه
قلوب بني الأيام من كل مقصد
ورد جماح الدهر بعد كروره
Unknown page
عليهم لعمري قاعدا كل مرصد
ومنها:
فدونكها يا غرة الملك غادة
تميس كخوط البانة المتأود
ومن رام من إدراك كنهك غاية
يجد غاية ما تدن للوصل تبعد
وآخرها:
وإني إذا أهدي العزيز مدائحي
أبوء بصدق القول غير مفند
وإلا فما حاولت إدراك غاية
Unknown page
بشعري ولا نظم القصائد مقصدي
أي لم أنظم هذا الشعر إلا للقيام بفرض الشكر على انعطاف الجناب الخديوي نحوي ولست باغيا على ذلك مكافأة، وبعد أن عرفت شوقي في باريس وتذاكرنا الشعر والشعراء وجدته معجبا بقصيدتي التوفيقية هذه، وقال لي: إنها تركت في ذلك الوقت رنينا في وادي النيل.
أول ما قرأت لشوقي
خرجت إذن من مصر في أواخر سنة 1890 وأنا لا أسمع بشاعر اسمه شوقي في مصر، وكنت أوانئذ أراسل جريدة الأهرام، وكان صاحب الأهرام يكاتبني كثيرا ويبني كثيرا من الآراء على ملاحظاتي وإذا أرسلت إليه بمقالة جعل عنوانها «لأحد الأفاضل السياسيين»، فإذا راجع القارئ أهرام سنة 1890 والتي بعدها وجد بقلم «أحد الأفاضل السياسيين» فصولا سياسية كثيرة، وبينما كنت أطالع الأهرام في ذات يوم وقع نظري على أبيات لامية في مدح الخديوي توفيق فيما أذكر قال عنها الأهرام إنها من نظم «أحمد أفندي شوقي»، ولما كان هذا الناظم مجهولا عندي لم أشأ أن أضيع وقتي بقراءة تلك الأبيات فلم أعلم منها كثيرا ولا قليلا، إلا أنه لم يطل الأمر حتى قرأت شعرا آخر لهذا الذي يقال له أحمد أفندي شوقي، فجربت هذه المرة أن أقرأه فلما قرأته لم أمجه ووجدته من الشعراء الذين يقال فيهم «من حقه أن تسمعه»؛ فقد قالوا كما لا يخفى:
الشعراء في الزمان أربعة
فشاعر يجري ولا يجرى معه
وشاعر ينشد وسط المعمعة
وشاعر من حقه أن تسمعه
وشاعر من حقه أن تصفعه
ولم يطل الأمر أيضا حتى قرأت لأحمد شوقي هذه القصيدة الآتية في مديح الجناب الخديوي:
Unknown page
إن الوشاة وإن لم أحصهم عددا
تعلموا الكيد من عينيك والفندا
لا أخلف الله ظني في نواظرهم
ماذا رأت بي مما يبعث الحسدا
هم أغضبوك فراح القد منثنيا
والجفن منكسرا والخد متقدا
وصادفوا أذنا بيضاء لينة
فأسمعوها الذي لم يسمعوا أحدا
لولا احتراسي من عينيك قلت ألا
فانظر بعينيك هل أبقيت لي جلدا
Unknown page
الله في مهجة أيتمت واحدها
ظلما وما اتخذت غير الهوى ولدا
وروح صب أطال الحب غرتها
يخاف إن رجعت أن تنكر الجسدا
دع المواعيد إني مت من ظمأ
وللمواعيد ماء لا يبل صدى
بالله رد على العباس شاعره
بنظرة واتخذها في الزمان يدا
من للعزيز يناجي روض نعمته
إن أسكت الدهر هذا الطائر الغردا
Unknown page
إلى آخر ما قال في ذلك اليوم. فتلوت القصيدة من أولها إلى آخرها ومن شدة ما طربت لها أعدت قراءتها مرارا، وعلمت أن هناك شاعرا مطبوعا وأيقنت أن في تلك المغارة أسدا، وصرت كلما عثرت على شعر لأحمد شوقي أتهافت عليه تهافت الظمآن على نمير الماء؛ لأني رأيت فيه الشاعرية بجميع شروطها: النسج الرقيق المتين، والأسلوب الرشيق الرصين، اللغة العربية الفصحى التي لا تؤتى من جهة والمعنى المتناهي في الدقة اللابس من اللفظ أجمل حلة، والانسجام المطرد من الأول إلى الآخر في سكب واحد وسبك متوارد، فعند ذلك حكمت بأن هذا الشاعر سيكون من شعراء العصر وإن لم أصل في الحكم إلى أنه سيكون أمير شعراء العصر، وأذكر الآن أني كنت اطلعت له على قصيدة قبل هذه في مدح الخديوي توفيق يهنئه فيها بشهر الصيام لم تكن أقل رقة وانسجاما من القصيدة الدالية المار ذكرها، وهي التي يقول فيها:
يا حسنه بين الحسان
في شكله إن قيل بان
كالبدر تأخذه العيو
ن وما لهن به يدان
ملك الجوانح والفؤا
د ففي يديه الخافقان
ومناي منه نظرة
فعسى يشير الحاجبان
فيها يزكي حسنه
Unknown page
من لا له في الحسن ثان
خلوه يعدل أو يجو
ر فإنه ملك العنان
حق الدلال لمن له
في كل جارحة مكان
يا أصغري بأي آ
لاء العزيز تكذبان
ملك يداه بالندى
لعفاته مبسوطتان
الناس تشترط الغنى
Unknown page
وعلى مكارمه الضمان
ماضي الإشارة والبدي
هة والعزيمة والجنان
قالت له الآباء كن
في المجد ما كنا فكان
ولمجده من نفسه
نجم تسامى عن مدان
وكذا معالي الملك تالد
ها بطارفها يزان
عوذت ملكك يا أبا ال
Unknown page
عباس بالسبع المثان
ملك بعدلك آمن
والعدل عنوان الأمان
مولاي حبك مذهب
من لا يدين به يدان
الناس فيه أئمة
وأبو حنيفتها الزمان
يا خير من شهد الهلا
ل وخير من سمع الأذان
بشراك بالشهر الذي
Unknown page