وجلت في أحياء من القاهرة غبت عنها سنين فإذا المعالم تغيرت، والطرق تنكرت؛ قامت دور وهدمت دور، ورحلت أسر وقدمت أسر، وامحى عرف ونشأ آخر.
هكذا دور الزمان، وبطش الحدثان، لا استقرار ولا دوام. وهكذا تقلب الدهر وتحول الأحوال، لا ثبات ولا بقاء.
فاستمسك ما استطعت بالمعاني الخالدة التي لا تتغير، والقوانين السائرة التي لا تتبدل، استمسك بالحق والعدل والخير والجمال، بل استمسك بالله الحق الذي لا يحول ولا يزول.
الإثنين 21 رجب/8 مايو
تاريخ الحوادث والناس
يقال: إن التاريخ لا يكتب إلا بعد مدة من وقوع الواقعات، وموت الرجال، حتى تخلص النفس من أثر الحادثات، وتنجو من العصبيات، وتستطيع أن تنظر إلى الأمور غير راضية ولا غاضبة، ولا فرحة ولا مبتئسة. تكتب عن الرجال بعيدة عن الحب والبغض، والمحاباة والظلم، بريئة من الأهواء التي تورثها المعاصرة، والمشاركة في المعيشة والمنافسة.
وهذا مقبول من هذه الوجهة، ولكنه مردود بما يضيع على غير المعاصر من دقائق الحوادث، ومن ألوان الواقعات، وما يفسرها من أحوال الزمان والمكان والناس وصلات بعضهم ببعض.
أحسب أن كتابة التاريخ المعاصر، مرهقة بكثرة حوادثها، ووفرة مصادرها على حين يكتفي مؤرخ العصور القديمة بكلمة ينسج عليها وهما، ودمية يلبسها خيالا. ويكتفي مؤرخ العصور التي بعدها بخبر يحمله ما لا يحمل، وخطبة أو قصيدة يستدل بها على أكثر مما تدل عليه، حين يخلص من رقابة الحقائق وشهادة الوقائع. ولا ريب أن تسجيل التاريخ قبل أن تبعد حوادثه، وتطمس معالمه، أوفى بالغرض وأقرب إلى الحق إن أراد الكاتب التاريخ محضا لا مدح جماعة أو آحاد، وذم فئة أو أفراد. وإن قيل: إن النفس المعاصرة لا تبرأ من الهوى، قلنا: إنها - على هذا - أقرب إلى التثبت وأقدر على التحقيق ممن يأتي بعد أجيال، ليستقصي الأقوال والأفعال.
الثلاثاء 22 رجب/9 مايو
إرضاء الجماهير
Unknown page