135

الأربعاء 22 ذي الحجة/4 أكتوبر

المسدس وصدر غاندي

قرأنا وسمعنا عن الخير والشر في هذا العالم، والرحمة والقسوة على هذه الأرض، وعرفنا مما قال الفلاسفة في تغالب الخير والشر، وما علمه دين زردشت من تداولهما الظفر في آلاف السنين، وما وصف به الشعراء الناس من غلبة الشر عليهم، وسيطرة الباطل فيهم، وأنهم يلقون الخير بالشر، والنعمة بالكفور، والإحسان بالإساءة، والمودة بالعداوة.

وسمعنا وقرأنا من أحاديث المتفائلين والمتشائمين بين الناس، ومن أمثال الإساءة والإحسان في الجماعات، فما سمعنا ولا قرأنا أبلغ في الشر وأدل على القسوة، وأنطق بالكفران وأدخل في اللؤم، وأقتل للمروءة، وأفتك بالإنسانية، وأزرى بخلق الإنسان، وأنهض بحجة المتشائمين اليائسين، من مسدس يصوب إلى صدر غاندي فيفرغ فيه رصاصات قاتلات.

رأيت هذا الصدر العاري والأضلاع البارزة، والنفس الضعيف المتردد فيها، صدر الرجل الذي تجرد من الدنيا حتى ما يستره من لباسها، ودعا إلى السلام ونبذ العنف وقال: لا تقابل قسوة بقسوة، ولا شدة بشدة .

لقيت غاندي فسألته: هل استنبطت دواء لبؤس الناس في طول مخالطتك البائسين؟ قال: ما استنبطته ولكن أعدت استنباطه، وهو: «الحق وترك العنف»، وما كان أحد يحسب أن في البشر من يتقدم إلى هذا الرجل الهرم الداعي إلى السلم والمرحمة ليسفه رأيه أو يشتمه أو ينهره عن دعوته أو يضربه بيده، بله أن يصوب مسدسا فاتكا إلى الأضلاع الهزيلة في صدر داعية الرحمة والسلام. وما كان ذنب غاندي في رأي القاتل؟ ذنبه الذي سوغ تصويب المسدس إلى صدره أنه دعا إلى محاسنة المسلمين في الهند ومسالمتهم ورد مساجدهم إليهم، أنه خالف المخربين المدمرين القتلة السفاحين فدعاهم إلى الكف عن الشر، وإيثار العدل والمرحمة.

الخميس 23 ذي الحجة/5 أكتوبر

بالدقائق يمتاز الناس

في معاش الناس أشياء يدركونها جميعا، ويرتفقون بها. الضروريات والحاجيات لا يختلف فيها القادرون عليها، ولكن يمتاز بعضهم من بعض في طرائق استعمالها، ويمتازون في دقائق فيها. يستوي كثير من الناس في إطعام الضيفان، وفي ألوان الطعام، ويستوون في السفرة أو الخوان والصحون، ويختلفون في دقائق من الأدوات وأشكالها وترتيبها، وفي الماء وآنيته، وفي طريقة وضع المآكل ورفعها، وفي أدوات القهوة ونحوها. ويستوي كثير من الناس في الحلل التي يلبسونها ويختلفون في الألوان والتفصيل، وتسكن فئة من الناس دورا متشابهة ويتمايزون في ألوان الطلاء وفي حلى النوافذ والأبواب ونظافة الزجاج وفي دقائق الفرش واللطف.

6

Unknown page