فقالت مريم: «تطيبي بشيء من هذا الطيب فإنك أهل لذلك.»
فامتنعت ميمونة وهي تسد القارورة وتقول: «لا يجوز لأحد سواك أن يمس هذا الطيب؛ لأنه هدية لك خاصة.» ودفعت إليها القارورة وهي تبالغ في الامتناع.
فاستحسنت مريم تمنعها وازدادت ثقة بصدق مودتها، ففتحت لها قلبها وصارت لا تستأنس إلا بقربها مع ميل إلى مكاشفتها بعواطفها، وميمونة تعمل فكرتها لاستخدام ذلك عند الحاجة.
الفصل الرابع والعشرون
الاطمئنان
أما عبد الرحمن وهانئ، فإنهما ركبا وسارا نحو المعسكر وحولهما الفرسان في موكب، وكل منهما يفكر في جهة، ومرجع التفكير إلى مريم فكان هانئ يتذكر ما دار بينه وبينها، وما آنسه من مجاملة عبد الرحمن ولطفه على حين أنه كان يتوقع امتعاضه فإذا تذكر ذلك انشرح صدره؛ لأنه كان يخشى إذا بدا من عبد الرحمن برود أن يئول ذلك إلى نفور ضار وكان عبد الرحمن يفكر في سالمة وما دار بينه وبينها في أمر مريم وتلميحها بأنها ستكون له بعد الفراغ من تلك الحرب لسر لم تصرح له به، وتذكر استلطافه مريم وتصور ما هي عليه من الجمال والهيبة، ثم ما ظهر له من الحب المتبادل بينها وبين هانئ فلما بلغت تصوراته إلى ذلك الحد شعر بغيرة شديدة، ولكنه تذكر ما هم فيه من الحرب وشدة احتياجه إلى هانئ حتى إن النجاح يتوقف على اتفاقهما، وعلم أن ذلك الاتفاق لا يتم إلا بارتياح هانئ، وارتياحه لا يكون إلا بتيسير ظفره بمريم فلما تمثل له ذلك، عاد إلى عقله وسعة صدره، فهان عليه إرضاء هانئ وخشي أن يكون في سكوته في أثناء الطريق باب للشك، ففتح الحديث قائلا: «ألم تحمد الله على انتصارنا في هذه الحرب يا هانئ؟»
قال: «لقد حمدته كثيرا على ذلك، والفضل فيه يرجع إلى بسالة الأمير عبد الرحمن وتدبيره.»
فقال الأمير عبد الرحمن: «بل الفضل فيه للأمير هانئ قائد فرساننا بل أرى الفضل فيه لما وفقنا إليه من الوفاق المتبادل، وأرجو أن يبقى ذلك إلى نهاية هذه الحرب.»
قال: «وأنا أرجو ذلك أيضا، وإذا تم لنا الفتح كان فيه الفخر للعرب كافة؛ لأننا فتحنا لهم بلادا واسعة يحكمون أهلها ويجبون خراجها وينشرون الإسلام فيها.»
فقال الأمير عبد الرحمن: «وأظن سرورك بفتح بوردو يعادل سرورنا جميعا بما فتحناه وسنفتحه من البلاد؟» قال ذلك وابتسم.
Unknown page