Sharh Talwih
شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
Genres
قوله: "وهي إما لفظ عام بصيغته، ومعناه" بأن يكون اللفظ مجموعا والمعنى مستوعبا سواء وجد له مفرد من لفظه كالرجال أو لا كالنساء، وإما عاما بمعناه فقط بأن يكون اللفظ مفردا مستوعبا لكل ما يتناوله، ولا يتصور أن يكون العام عاما بصيغته فقط إذ لا بد من استيعاب المعنى، وهذا أي العام بمعناه فقط إما أن يتناول مجموع الأفراد، وإما أن يتناول كل واحد، والمتناول لكل واحد إما أن يتناوله على سبيل الشمول أو على سبيل البدل فالأول أن يتعلق الحكم بمجموع الآحاد لا بكل واحد على الانفراد، وحيث يثبت للآحاد إنما يثبت لأنه داخل في المجموع كالرهط اسم لما دون العشرة من الرجال لا تكون فيهم امرأة والقوم اسم لجماعة الرجال خاصة فاللفظ مفرد بدليل أنه يثنى، ويجمع، ويوحد الضمير العائد إليه مثل: الرهط دخل، والقوم خرج، والتحقيق أن القوم في الأصل مصدر قام فوصف به ثم غلب على الرجال خاصة لقيامهم بأمور النساء ذكره في الفائق، وينبغي أن يكون هذا تأويل ما يقال إن قوما جمع قائم كصوم جمع صائم، وإلا ففعل ليس من أبنية الجمع، وكل منهما متناول لجميع آحاده لا لكل واحد من حيث إنه واحد حتى لو قال الرهط أو القوم الذي يدخل هذا الحصن فله كذا فدخله جماعة كان النقل لمجموعهم، ولو دخله واحد لم يستحق شيئا فإن قلت فإذا لم يتناول كل واحد فكيف يصح استثناء الواحد منه في مثل جاءني القوم إلا زيدا، ومن شرطه دخول المستثنى في حكم المستثنى منه لولا الاستثناء قلت يصح من حيث إن مجيء المجموع لا يتصور بدون مجيء كل واحد حتى لو كان الحكم متعلقا بالمجموع من حيث هو المجموع من غير أن يثبت لكل فرد لم يصح الاستثناء مثل يطيق رفع هذا الحجر القوم إلا زيدا، وهذا كما يصح عندي عشرة إلا واحدا ولا يصح العشرة زوج إلا واحدا، وليس الحكم على الآحاد بل على المجموع، والثاني أن يتعلق الحكم بكل واحد سواء كان مجتمعا مع غيره أو منفردا عنه مثل من دخل هذا الحصن فله درهم فلو دخله واحد استحق درهما، ولو دخله جماعة معا أو متعاقبين استحق كل واحد الدرهم، والثالث أن يتعلق الحكم بكل واحد بشرط الانفراد، وعدم التعلق بواحد آخر مثل من دخل هذا الحصن أولا فله درهم فكل واحد دخله أولا منفردا استحق الدرهم، ولو دخله جماعة معا لم يستحقوا شيئا، ولو دخلوه متعاقبين لم يستحق إلا الواحد السابق، وسيأتي تحقيق ذلك. فالحكم في الأول مشروط بالاجتماع، وفي الثالث بالانفراد، وفي الثاني غير مشروط بشيء منهما.
قوله: "فالجمع" مثل الرجال، والنساء، وما في معناه من العام المتناول للمجموع مثل الرهط، والقوم، ويصح إطلاقه على أي عدد كان من الثلاثة إلى ما لا نهاية له يعني أن مفهومه جميع الآحاد سواء كانت ثلاثة أو أربعة أو ما فوق ذلك، وليس المراد أنه عند الإطلاق يحتمل أن يراد به الثلاثة وأن يراد به الأربعة، وغير ذلك من الأعداد لأنه حينئذ يكون مبهما غير دال على الاستغراق فلا يوجب العموم بل ينافيه لأن الدلالة على الاستغراق شرط فيه، ولا يخفى أن الكلام في الجمع المعرف، وأما المنكر فسيأتي ذكره. وكذا سائر أسماء الجموع، وإلا فقد سبق أن الرهط اسم لما دون العشرة من الرجال على ما صرح به في كتب اللغة فصار الحاصل أن المعرف باللام من الجموع، وأسمائها لجميع الأفراد قلت أو كثرت، وإن كان دون اللازم لما دون العشرة كالرهط أو للعشرة فما دونها كجمع القلة مثل المسلمين، والمسلمات، والأنفس، ونحو ذلك. وأما تحقيق أن الموضوع للعموم هو مجموع الاسم، وحرف التعريف أو الاسم بشرط التعريف، وعلى الثاني هل يصير مشتركا حيث وضع بدون التعريف لمطلق الجمع وأن هذا الوضع لا شك أنه نوعي فكيف يكون اللفظ باعتباره حقيقة، وإن الحكم في مثله على كل جمع أو على كل فرد، وأنه للأفراد المحققة خاصة أو المحققة، والمقدرة جميعا، وأن مدلوله الاستغراق الحقيقي أو أعم من الحقيقي، والعرفي فالكلام فيه طويل لا يحتمله المقام.
قوله: "لأن أقل الجمع ثلاثة" اختلفوا في أقل عدد تطلق عليه صيغة الجمع فذهب أكثر الصحابة، والفقهاء، وأئمة اللغة إلى أنه ثلاثة حتى لو حلف لا يتزوج نساء لا يحنث بتزوج امرأتين، وذهب بعضهم إلى أنه اثنان حتى يحنث بتزوج امرأتين، وتمسكوا بوجوه الأول قوله تعالى: {فإن كان له إخوة} [النساء:11]، والمراد اثنان فصاعدا لأن الأخوين يحجبان الأم إلى السدس كالثلاثة، والأربعة، وكذا كل جمع في المواريث، والوصايا حتى إن في الميراث للأختين الثلثين كما للأخوات، وفي الوصية للاثنين ما أوصى لأقرباء فلان الثاني قوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} [التحريم:4] أي قلبا كما إذ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. الثالث: قوله عليه السلام: "الاثنان فما فوقهما جماعة" 1، ومثل حجة من اللغوي فكيف من النبي عليه السلام.
وتمسك الذاهبون إلى أن أقل الجمع ثلاثة بإجماع أهل العربية على اختلاف صيغ الواحد
Page 90