Sharh Talwih
شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
Genres
{وأحل الله البيع وحرم الربا} ظاهر في الحل والحرمة نص في التفرقة بينهما وقوله تعالى: {مثنى وثلاث ورباع} ظاهر في الحل نص في العدد ونظير المفسر قوله تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} أو قوله تعالى: {وقاتلوا المشركين كافة}،
{فسجد الملائكة كلهم أجمعون} [الحجر:30] أو قوله تعالى: {وقاتلوا المشركين كافة} [التوبة:36]، والمحكم قوله تعالى: {إن الله بكل شيء عليم} [لأنفال:75]. وقوله عليه الصلاة والسلام: "الجهاد ماض إلى يوم القيامة" النظير أن الأولان للمفسر والمحكم مذكوران في كتب الأصول، وفي التمثيل بهما نظر؛ لأن الفرق بين المفسر والمحكم أن المفسر قابل للنسخ والمحكم غير قابل له، والمثالان المذكوران، وهما قوله تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} [الحجر:30] وقوله تعالى: {إن الله بكل شيء عليم} [لأنفال:75] في ذلك سواء بحسب اللفظ؛ لأنهم إن أرادوا قبول النسخ وعدمه بحسب اللفظ فكل منهما مفسر إذ ليس في الآيتين ما يمنع النسخ بحسب اللفظ، وإن أرادوا بحسب محل الكلام أو أعم من كل منهما فكل منهما محكم؛ لأن الإخبار بسجود الملائكة لا يقبل النسخ كما أن الإخبار بعلم الله لا يقبله فلأجل هذا أوردت مثالين في الحكم الشرعي ليظهر الفرق بين المفسر والمحكم فقوله تعالى: {وقاتلوا المشركين كافة} مفسر؛ لأن قوله كافة سد لباب التخصيص لكنه يحتمل النسخ لكونه حكما شرعيا، وقوله عليه السلام: "الجهاد ماض إلى يوم القيامة" 1 محكم؛ لأن قوله: {إلى يوم القيامة} [آل عمران:55] سد لباب النسخ
...................................................................... ..........................
قوله: "حتى سد باب التأويل" من أولت الشيء صرفته، ورجعته، وهو انكشاف اعتبار دليل يصير المعنى به أغلب على الظن من المعنى الظاهر، والتفسير مبالغة الفسر، وهو الكشف فيراد به كشف لا شبهة فيه، وهو القطع بالمراد، ولهذا يحرم التفسير بالرأي دون التأويل؛ لأنه الظن بالمراد، وحمل الكلام على غير الظاهر بلا جزم فيقبله الظاهر والنص؛ لأن الظاهر يحتمل غير المراد احتمالا بعيدا، والنص يحتمله احتمالا أبعد دون المفسر؛ لأنه لا يحتمل غير المراد أصلا.
قوله: "ثم إن زاد" أي الوضوح حتى سد احتمال النسخ، أيضا كما سد احتمال التخصيص والتأويل، والمراد نسخ المعنى إذ المحكم يحتمل في زمن الوحي نسخ اللفظ بأن لا يتعلق به جواز الصلاة، ولا حرمة القراءة على الجنب، والحائض يسمى محكما من أحكمت الشيء، أي أتقنته، وبناء محكم مأمون الانتقاض، وقيل: من أحكمت فلانا منعته فالحكم ممتنع من التخصيص والتأويل ومن أن يرد عليه النسخ، والتبديل، واعتبر فخر الإسلام رحمه الله تعالى في المحكم زيادة القوة لا زيادة الوضوح حيث قال: فإذا ازداد قوة، وهو المناسب للأحكام، وعدم احتمال النسخ، وأيضا إذا بلغ المفسر من الوضوح بحيث لا يحتمل الغير أصلا فلا معنى لزيادة الوضوح عليه، نعم يزداد قوة
1 رواه البخاري في كتاب الجهاد باب 044أبو داود في كتاب الجهاد باب 033.
Page 233