Sharh Talwih
شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
Genres
قوله: "لكان هذا الكلام في غاية الركاكة" لأن إيجاب الاقتداء إنما هو بالحمل، والتحريض على ما صدر عن المقتدى به إذ لا إيجاب اقتداء في مثل فلان يصلي فاقرءوا القرآن، وفيه نظر لأن ركاكة الكلام، وعدم إيجاب الاقتداء عند اختلاف معاني الأفعال المذكورة إنما يلزم إذا لم يكن بينهما رحمة فقد أراد هذا المعنى لا أن الصلاة وضعت للرحمة كما ذكر في قوله تعالى: {يحبهم ويحبونه} [المائدة:54] أن المحبة من الله إيصال الثواب، ومن العبد طاعة ليس المراد أن المحبة مشتركة من حيث الموضوع بل المراد أنه أراد بالمحبة لازمها، واللازم من الله تعالى ذلك، ومن العبد هذا، وأما المجازي فكإرادة الخير، ونحوها مما يليق بهذا المقام ثم إن اختلف ذلك المعنى لأجل اختلاف الموصوف فلا بأس به فلا يكون هذا من باب الاشتراك بحسب الوضع ولما بينوا اختلاف المعنى باعتبار اختلاف المسند إليه يفهم منه أن معناه واحد لكنه يختلف بحسب الموصوف لا أن معناه مختلف وضعا، وهذا جواب حسن تفردت به.
وتمسكوا أيضا بقوله تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض} [الحج:18] الآية حيث نسب السجود إلى العقلاء، وغيرهم كالشجر، والدواب فما نسب إلى غير العقلاء يراد به الانقياد لا وضع الجبهة على الأرض وما نسب إلى العقلاء يراد به وضع الجبهة على الأرض فإن قوله تعالى: {وكثير من الناس} [الحج:18] يدل على أن المراد بالسجود المنسوب إلى الإنسان هو وضع الجبهة على الأرض إذ لو كان المراد
...................................................................... ..........................
أمر مشترك هو المقصود بالإيجاب للقطع بأنه لا ركاكة في مثل قولنا إن السلطان قد أطلق زيدا أو الأمير قد خلع عليه فاخدموه، وعظموه أيها الرعايا فكذا المراد هاهنا أن الله تعالى يرحم النبي، ويوصل إليه من الخير ما يليق بعظمته، وكبريائه، والملائكة يعظمونه بما في وسعهم فأتوا أيها المؤمنون بما يليق بحالكم من الدعاء له، والثناء عليه فكان كلاما حسنا.
قوله: "ولما بينوا" يعني أن ذكر اختلاف المسند إليه عند بيان اختلاف المعنى حيث قالوا الصلاة من الله رحمة، ومن الملائكة استغفار، ومن الناس دعاء يشعر بأن معنى الصلاة في نفسه واحد يختلف باختلاف الموصوف، ولا يدل على أنها موضوعة لمعان مختلفة بأوضاع متعددة ليلزم الاشتراك.
قوله: "هذا جواب حسن" نعم لو لم يتعرض فيه لإيجاب اتحاد معنى الصلاة في الآية بل اكتفى بمنع اشتراك لفظ الصلاة بين المعاني المذكورة، وتجويز أن يراد به في الكل معناه الحقيقي أو المجاز.
قوله: "إذ يمكن أن يراد بالسجود الانقياد في الجميع" فيه بحث لأنه أريد بالانقياد امتثال أوامر التكاليف، ونواهيها على ما هو الظاهر من كلامه فهو لا يصح في غير المكلفين، وإن أريد امتثال حكم التكوين، والتسخير أو مطلق الإطاعة أعم من هذا، وذاك فشموله لجميع الناس ظاهر فلا بد أن يكون في كثير من الناس بمعنى آخر يخصهم كوضع الجبهة أو امتثال التكاليف فالأظهر في الجواب عن الآية ما ذكره القوم من أنها على حذف الفعل أي ويسجد كثير من الناس على أن المراد بالسجود الأول الانقياد، والخضوع، وقد دل على شموله جميع الناس ذكر من في الأرض، وبالثاني سجود الطاعة، والعبادة، وهو غير شامل لجميع الناس.
Page 125