296

Sharḥ Ṭalʿat al-Shams ʿalā al-Alfiyya

شرح طلعة الشمس على الألفية

Genres

وأجيب عن الثاني: بأنه لا تضاد في ذلك لأن من صوب جميع المجتهدين فهذا لا يقدح عليه إذ حكم الله تعالى من كل واحد منهم ما أداه إليه ظنه فإذا تعارض عليه الخبران ولم يعرف نسخ أحدهما للآخر رجع إلى الترجيح، فلإن عجز عن الترجيح فعلى الخلاف في العمل على الاطراح أو التخيير كما سيأتي تحقيقه فلا يلزم ما ذكروه من التناقض.

وأجيب عن الثالث: بأنه لا نسلم أن ذلك يؤدي إلى عدم انضباط أصول الشريعة لأن الأخبار الآحادية محصورة بالشرائط وإن لم تكن محصورة بالعدد فما لم يستكمل شرائطه فليس بمعمول به، وتجويز المعارض للأصل يمنعه بحث المجتهد فلا يلزم ذلك، واحتج القائلون بأن خبر الآحاد يوجب العلم والعمل معا وهم أهل الحديث بأن قد وجب علينا العمل بخبر الآحاد لما تقدم م الأدلة ونهينا عن اتباع الظن لما تقدم من الأدلة على ذلك أيضا فعلمنا أن خبر الآحاد يوجب العلم والعمل معا؛ لأنه لو لم يوجب العلم ما جاز لنا العمل به وقد نهينا عن اتباع الظن، وأجيب بأنه إنما نهينا عن اتباع الظن فيما يكون المطلوب فيه العلم وهو المسائل الاعتقادية، لا فيما يكون المطلوب فيه العمل فقط يجوز الأخذ فيه بما يفيد الظن وحاصل الجواب أن مسائل الاعتقاد مبنية على اليقين فنهينا عن اتباع الظن فيها، ومسائل العمل غير مبنية على اليقين فقط بل تكون تارة بالدليل القاطع وأخرى بالدليل الظني، واعلم أن أهل الحديث فرعوا على مذهبهم بأن خبر الآحاد يوجب العلم والعمل قاعدتين عظيمتين ومن قواعد أصول الدين فارقهم المسلمون عليها.

القاعدة الأولى: أنهم أثبتوا أصول الدين من المسائل الاعتقادية وغيرها بخبر الآحاد وإلى هذا أشار المصنف بقوله: "فأثبتوا به أصول الدين" واحتجوا على ثبوت قاعدتهم هذه بأن الأدلة الدالة على وجوب العمل بالخبر الآحادي لم تفصل بين أصول وفروع وأجيب بأنه إنما دل على قبوله بشروط منها: أن لا يكون مصادما لأقوى منه كما قدمنا، ولهذا قال بعضهم إنه مع تكامل شرائطه يجب عرضه على كتاب الله لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما ستكثر عني الأخبار فما وافق كتاب الله فهو مني وما خالف فليس مني".

Page 18