Sharḥ Ṭalʿat al-Shams ʿalā al-Alfiyya
شرح طلعة الشمس على الألفية
Genres
يجوز نسخ نظم الكتاب والسنة مع معناهما المقصود المعبر عنه بالحكم، وبذلك صرح البدر الشماخي رحمه الله تعالى، قال: "وتوقف فيه بعض أئمة عمان، وأجازه المصنف"، يعني أبا يعقوب رحمة الله عليه، ويجوز أيضا نسخ التلاوة دون الحكم، ووقع ذلك كقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : "كان فيما أنزل: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة"، ويجوز أيضا نسخ الحكم دون التلاوة، كنسخ آية السيف لآيات كثيرة، وتلاوتها باقية، وكالاعتداد بالحول نسخ بأربعة أشهر وعشرا، وتلاوتها باقية، وهي قوله تعالى: { متاعا إلى الحول غير إخراج } (البقرة: 240)، ومثال ما إذا نسخ التلاوة والحكم معا: نحو ما روي عن عائشة رضي الله عنها: "عشر رضعات يحرمن، ثم نسخن بخمس"، قال صاحب المنهاج: "وهذه الرواية التي حكيناها عن عمر وعائشة إنما جئنا بها أمثلة فقط لما ذكرنا من نسخ التلاوة دون الحكم، ونسخهما جميعا إذ لم نقطع بصحتها، ولهذا خالفنا حكمها، ولأنا لو حكمنا بصحتها كناقد أثبتنا بعض القرآن آحاديا؛ لأن نقل هذه ليس بمتواتر"، قال: "ويحتمل أن يقال: لا مانع من كونها كانت قرآنا قبل نسخ تلاوتها، ولا يؤدي تجويز ذلك إلى تجويز أمر ممتنع، وبعد نسخ تلاوتها لا نحكم بأنها قرآن لكن في ذلك بعد من جهة لفظها، فإنه يخالف لفظ القرآن في البلاغة والفصاحة"، قال: "والأقرب أنها ليست من القرآن، ويحتمل أن قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان فيما أنزل، أراد فيما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - من الشريعة؛ لأنه من القرآن"، إلى أن قال: "وأما ابن الحاجب فقطع بأن هذه المنقولات كانت قرآنا، ثم نسخت"، ثم قال: "والأشبه جواز مس المحدث للمنسوخ لفظه"، وما ذكرته من جواز نسخ التلاوة والحكم معا، ونسخ أحدهما دون الآخر هو ما عليه جمهور الأصوليين، وخالف بعضهم في نسخ التلاوة دون الحكم والعكس، فمنع من نسخ أحدهما دون
الآخر، قال صاحب المنهاج: "وحكى ابن الحاجب هذا القول عن بعض المعتزلة"، قال البدر: "ومنع نسخ التلاوة دون الحكم ظاهر كلام بعض أئمة عمان، وأجازه المصنف" يعني أبا يعقوب، قال: "وهو الصواب".
واحتج المانعون لذلك بأمرين:
- أحدهما: أن التلاوة مع الحكم كالعلة مع المعلول والمفهوم مع المنطوق، فلا يصح انفصال أحدهما عن الآخر.
- وثانيهما: أن بقاء التلاوة يوهم بقاء الحكم؛ فيوقع في الجهل، وتزول فائدة القرآن.
وأجيب عن الأول: بأن التلاوة أمارة للحكم ابتداء لا دواما، فإذا نسخت الأمارة لم ينتف مدلولها، فكذلك إذا نسخ الحكم وحده لم يلزم انتفاؤها.
وأجيب عن الثاني: بأنه إذا اعتقد بقاء الحكم؛ فهو إما مجتهد أو مقلد، إن كان مجتهدا فأتي من تقصيره في البحث لا من جهة الله تعالى، وإن كان مقلدا رجع إلى المجتهد، وفائدة بقاء التلاوة كونه معجزا، وفي مجرد التلاوة مصلحة كسائر التعبدات.
وقول المصنف: "وهكذا في جزء معناه يصح" إلخ، إشارة إلى أن النسخ كما صح في الحكم دون التلاوة لما تقدم كذلك يصح في جزء الحكم، وذلك كنسخ قيد للأجزاء، وشرط في العبادة أو ركن منها، مثال ذلك: ما لو نسخ الوضوء من الصلاة أو اشتراط الإيمان في عتق الرقبة من كفارة القتل، أو نسخت ركعة من صلاة الظهر أو العصر أو نحو ذلك، فإن هذا كله جائز إن لو ثبت عن الشارع لكنه لم يثبت عنه نسخ شيء من ذلك، فلو ثبت لوجب قبوله.
ثم اختلفوا فيما لو نسخ بعض العبادة أو شرطها على ثلاثة مذاهب:
? أحدها:
Page 278