Sharḥ Ṭalʿat al-Shams ʿalā al-Alfiyya
شرح طلعة الشمس على الألفية
Genres
وقول المصنف: "وصح فيهما وإن تقيدا" إلى آخره، معناه أن النسخ يصح في الأمر والنهي، وإن قيدا بقيد يقتضي أنهما مؤبدان، نحو: صوموا أبدا؛ لأن ذلك التأبيد إنما هو منحصر في مدة التكليف بذلك الحكم، فمعنى صوموا أبدا، أي: حتى ينسخ حكم الصيام؛ لأن تأييد كل شيء إنما يكون بحسبه.
اعلم أنه إذا أبد الحكم، فإما أن يؤبد بكلام محكم لا يصح أن يتطرق عليه رفع في وقت من الأوقات، كما إذا قال الشارع: هذا الحكم دائم مستمر إلى يوم القيامة أو صوموا شهر رمضان إلى يوم القيامة أو نحو ذلك، فهذا لا يجوز عليه النسخ اتفاقا؛ لأن تأبيده بهذا اللفظ متضمن للإخبار بدوامه، فنسخه يكون من باب نسخ مدلول الخبر الذي لا يصح نسخه اتفاقا، وإما أن يؤبد بكلام يحتمل معه الرفع، كأبدا ودائما ونحوهما، فهذا يصح نسخه؛ لأن ذلك التأبيد يحمل بعد ورود الناسخ على تلك المدة، فنحكم أن أبدا ونحوها في الكلام السابق مقصود به إبقاء الحكم في مدة التكليف، وعلى ما ذكرته أكثر الأصوليين، وقيل: لا يجوز نسخ المقيد بأبدا ونحوها؛ لأن فائدة التأبيد الدوام، قال صاحب المنهاج: "والقائل بذلك هم بعض المسلمين وبعض اليهود"، احتجوا على ذلك: بأن لفظ التأبيد إن لم يفد الدوام كان ذكره عبثا لا فائدة فيه، وكلام الحكيم لا يدخله العبث.
وأجيب: بأن له فائدة، وهو دوامه إلى الموت، كما لو قلت لعبدك: افعل كذا أبدا، فإن التأبيد يرتفع بالموت وارتفاع التكليف، ولنا على أن التأبيد لا يقتضي الدوام المستمر قوله تعالى مخبرا عن اليهود: { ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم } (البقرة: 95)، فأخبر الله عنهم أنهم لا يتمنون الموت أبدا، ثم قال سبحانه حاكيا عن أهل النار أنهم يتمنون الموت، حيث قال: { ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك } (الزخرف: 77)، فاقتضى ان اليهود يتمنون، ولا يقال لم يخبر الله عن اليهود أنهم يتمنون، بل أخبر عن أهل النار جملة؛ فيجوز أن المتمني غير اليهود.
لأنا نقول أن المعلوم من حالهم أن الأحب إلى أهل النار كلهم الموت في تلك الحال، وقد أخبر الله تعالى عنهم جميعا، ولم يخص أحدا منهم دون أحد، فوجب القضاء بعمومه، والله أعلم، قال:
Page 276