233

Sharḥ Ṭalʿat al-Shams ʿalā al-Alfiyya

شرح طلعة الشمس على الألفية

Genres

? * فأما الدال عليه بعبارته: فهو ما دل على ما سيق له بإحدى الدلالات الثلاث التي هي: المطابقة والتضمن والالتزام، ومعنى ما سيق له: هو أن يكون المعنى مقصودا أصليا، وليس المراد منه ما ذهب إليه بعض الأصوليين إلى أن معنى المسوق له هاهنا كونه مقصودا في الجملة سواء كان أصليا كالعدد في آية النكاح، وهي قوله تعالى: { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } (النساء: 3)، أو غير أصلي كإباحة النكاح فيها، فمثال ما دل على المعنى بعبارته دلالة مطابقة: ذكر العدد في آية النكاح المتقدم ذكرها، فإنها مسوقة لبيان القدر الذي أبيح لنا من جمع النساء، وهي دالة على ذلك بطريق مطابقة اللفظ لمعناه، وكذلك قوله تعالى: { للفقراء المهاجرين } (الحشر: 8)، فإنه عبارة عن إيجاب السهم من الغنيمة لهم، وهو المعنى المطابق له، ومثاله: ما دل بالتضمن: قول الرجل لزوجته وقد عابته على تزويجه عليها بأخرى: كل امرأة له فهي طالق، يريد بها المرأة الجديدة، فإن مقام العتاب قصر هذا اللفظ عن معناه العام إلى بعض ما يتضمنه؛ فيدل على طلاق الجديدة بطريق التضمن، وهو المعنى الذي ساق الكلام لأجله، فيكون عبارة فيه، وهو مصدق في ذلك إن قال: نويت طلاق واحدة بعينها، ويحكم عليه بطلاق الكل عند القضاء، ومثل ما دل بالالتزام قوله تعالى: { وأحل الله البيع وحرم الربا } (البقرة: 275)، فإنه عبارة في التفرقة بين البيع والربا اللازمة للمعنى المطابق؛ لأنه إنما سيق ردا على زعم الكفار أن البيع مثل الربا.

? وأما الدال بإشارته: فهو ما دل على ما ليس له السياق بدلالة المطابقة أو التضمن أو الالتزام، - مثال الدال بالمطابقة قوله تعالى: { وأحل الله البيع وحرم الربا } (البقرة: 275)، فإنه إشارة في بيان الحل والحرمة، وهو المعنى المطابق لها.

- ومثال الدال بالتضمن: قول الرجل لامرأته كل امرأة له طالق، إذا كان إنما ساق هذا الكلام لطلاق غير المخاطبة؛ فإنه يحكم عليه بطلاق المخاطبة أيضا؛ لأن كلامه يتضمن طلاقها أيضا، وإن كان عبارة في طلاق غيرها كما مر آنفا.

- ومثال الدال بالالتزام: نحو قوله تعالى: { وعلى المولود له } (البقرة: 233) الآية، فإنها إشارة في أن النسب إلى الآباء، وهو لازم للولادة لأجل الأب، ومنه أيضا قوله تعالى: للفقراء المهاجرين } (الحشر: 8)، فإنه إشارة في زوال ملكهم عما خلفوا في دار الحرب؛ فتكون الآية دليلا على أن ما اغتصبه المشركون من المسلمين إنما هو للمشركين، وليس لأربابه المسلمين فيه ملك، كما هو مذهب بعض أصحابنا والحنفية، وذهب آخرون منا إلى أنه لا يكون ملكا للمشركين ما لم يسلموا عليه؛ لقوله تعالى: { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } (النساء: 141)، فإطلاق الفقراء في الآية على المهاجرين إنما هو بطريق الاستعارة عند أهل هذا المذهب، وعليه الشافعي.

Page 256