Sharḥ Ṭalʿat al-Shams ʿalā al-Alfiyya
شرح طلعة الشمس على الألفية
Genres
اعلم أن لفظ: "من" موضوع لغة لابتداء الغاية مكانا كانت أو زمانا، كخرجت من البصرة وصمت من أول الشهر، وفاقا للكوفيين، وذهب البصريون إلى أنها لابتداء الغاية في المكان دون الزمان، والأول أصح، وتستعمل للتبعيض، وعليه المحققون، وقال المبرد والزمخشري: "إن أصل من التبعيضية ابتداء الغاية؛ لأن الدراهم في قولك: أخذت من الدراهم مبدأ الأخذ"، وقال صاحب المرآة: "وذهب بعض الفقهاء إلى أن أصل وضعها للتبعيض دفعا للإشتراك"، ورد بإطباق أئمة اللغة على أنها حقيقة في ابتداء الغاية، قال: "ولو قيل: إنها في العرف الغالب الفقهي للتبعيض مع رعاية معنى الابتداء لم يبعد، والفرق بين "من" الابتدائية تعرف بأن يحسن في مقابلتها "إلى" أو ما يفيد فائدتها، نحو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن معنى أعوذ به: ألتجئ إليه، فالباء ههنا أفادت معنى الانتهاء، والتبعيضية تعرف بأن يكون هناك شيء ظاهر هو بعض المجرور بمن، نحو: { خذ من أموالهم صدقة } (التوبة103)، أو مقدر نحو: أخذت من الدراهم، أي من الدراهم شيئا، وإنما قدم التبعيض على الابتداء في النظم رعاية للوزن، وإلا فالحق بالتقديم الابتداء؛ لأنه موضوعها الأصلي كما علمت، وتستعمل "من" لبيان الجنس، نحو: لفلان علي عشرة من فضة، وتستعمل زائدة، وتكون في زيادتها على وجهين:
- أحدهما: زيادة يختل المعنى بإسقاطها، وهي الزائدة في نحو: ما جاءني من رجل، فإن المعنى: ما جاءني أحد من هذا الجنس، فإن زيادتها في هذا الكلام أفادت التنصيص في نفي العموم، فلو أسقطت منه لم يفد التنصيص المذكور.
- وثانيهما: زيادة لا يختل المعنى بإسقاطها معه، وهي الزائدة في نحو: ما جاءني من أحد، فإن زيادة "من" في هذا الكلام ليس إلا لمحض التأكيد.
وتستعمل "من" بمعنى الباء، كما في قوله تعالى: { يحفظونه من أمر الله } (الرعد: 11)، أي بأمر الله، والله أعلم، ثم قال:
لغاية إلى وحتى أتت ... عاطفة حتى ومعناها ثبت
Page 240