Sharh Talcat Shams
شرح طلعة الشمس على الألفية
Genres
أي كما أن العقل يكون مخصصا للكتاب والسنة، كذلك الحس يكون مخصصا لهما أيضا، فقد خصص الحس آية بلقيس، وهي قوله تعالى: { وأوتيت من كل شيء }، والحس يدرك أنها لم تؤت شيئا من السماوات ولا من الشمس، ولا من القمر، وكذلك خصص الحس آية ريح عاد، وهي قوله تعالى: { تدمر كل شيء }، والحس يشاهد أنها لم تدمر السماوات، ولا الجبال، ولا الأرضين، وغير ذلك، ومعنى تخصيص الحس للآية هو أن حس الباصرة يرى أن هذه الأشياء باقية على حالها، وأن الشمس والقمر، ونحوهما لم تعطى منها بلقيس شيئا، وعند التحقق تعلم أن المخصص في مثل هذا المقام إنما هو العقل، وأن الحس واسطة الإدراك، فنسب التخصيص إليه تقريبا للأفهام، قال الزركشي: إن التخصيص بالحس لا نعلم فيه خلافا، نعم ينبغي أن يطرقه خلاف من المنكرين لاستناد العلم، إلى الحواس؛ لأنها عرضة الآفات، والتخيلات انتهى.
أقول وقد قدمت لك أن التحقيق في التخصيص بالحس إنما هو تخصيص بالعقل، وأن الحس واسطة لإدراكه فيلزم القائلين بمنع التخصيص بالعقل أن يمنعوا التخصيص بالحس أيضا؛ لأنه فرع عنه، بل هو نفس التخصيص بالعقل فإذا عرفت أن قوله تعالى: { وأوتيت من كل شيء }، وقوله: تدمر كل شيء مخصصتان بالحس، أو بالعقل عند التحقق، وهو خبران إن ظهر لك بطلان قول من قال أن التخصيص لا يكون في الخير بخلاف الأوامر، والنواهي، قالوا ولو وقع التخصيص في نفس الخبر لكان ذلك موجبا لكذب المخبر، فيمتنع تخصيصه لذلك، قلنا أن تخصيص الخبر واقع كما في آيتي بلقيس، وريح عاد، والوقوع أخص من الجواز، ولا يوجب كذب المخبر؛ لأنه إذا خصصه بمتصل كجاء المسلمون إلا زيدا، أو بما كان في حكم المتصل، كالعقل، والحس، جاز ذلك؛ لأن المخبرلم يقطع كلامه إلا وقد علم مقصوده من الإخبار وبتمام الكلام يكون مخبرا، لا قبل تمامه، حتى يعد قوله كذبا وإطلاق العام على بعض أفراده جائز اتفاقا فلا وجه لمنع التخصيص في الخبر، نعم إذا كان المخصص منفصلا؛ أي لم يكن بمتصل ولا هو في حكم المتصل فيتوجه المنع حينئذ؛ لأنه يكون كلامه الأول منقطعا عن الكلام الآخر ويعد مخبرا فتخصيصه بمخصص منفصل يستلزم الرجوع عن الإخبار الأول، فيلزم الكذب في أحد الخبرين وهذا معنى قوله بخلاف المنفصل.
Page 167