Sharh Talcat Shams
شرح طلعة الشمس على الألفية
Genres
أي إذا روى الصحابي حديثا يقتضي العموم في شيء ومذهبه في ذلك الشيء يقتضي تخصيص العام الذي رواه، فإن مذهبه في ذلك لا يكون عندنا مخصصا لذلك الحديث، هذا قول الجمهور، ونسب إلى أبي طالب وأبي الحسين من المعتزلة، وإلى الكرخي من الحنفية، وإلى الشافعي في أخير قوليه، وقالت الحنفية، والحنابلة، بل يخصص به وهو مقتضى مذهب بعض أصحابنا كأبي إسحاق -رضي الله عنه-، ومثال ذلك ما روى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بدل دينه فاقتلوه"، وكان يرى ذلك في حق الرجال دون النساء، فعند الجمهور أن العموم لا يخصص بمذهب راويه، بل يبقى على عمومه، فتقتل المرأة المرتدة بأمرين:
أحدهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم".
وثانيهما: أن الصحابي إذا قال بقول استلزم أن يكون له دليل في ظنه، وإلا لزم فسقه، وإذا قطعنا بالدليل كان مخصصا.
- وأجيب عن الأول: بأنه أراد - صلى الله عليه وسلم - بذلك بأن أصحابه كالنجوم في الفتوى إذ كل مجتهد مصيب و إلا لزم أن لا يصح اختلافهم، ولكان من سبق إلى قول حجة على الباقين، والمعلوم أنهم اختلفوا، وتناظروا حتى قال ابن عباس: "ومن باهلني باهلته".
- وأجيب عن الثاني: بأنه إنما يستلزم دليلا في ظنه فلا يجوز لغيره ممن كان مجتهدا مثله اتباعه على ذلك إلا إذا رأي ما رأى من الدليل، قالوا: لو كان ما يذهب إليه في تخصيص الحديث ظنيا لبينه، قلنا: ولو كان قطعيا لبينه، وإذا لم يجب على غيره اتباعه، والله أعلم.
ثم إنه أخذ في بيان التخصيص بالعادة فقال:
كذلك العادة لا تخصص ... وقال قوم إنها تخصص
أي إذا ورد الدليل الشرعي عاما فلا يصح تخصيصه بعادة المخاطبين مثال ذلك: أن يقول الشارع حرمت الربا في الطعام، وكان عادة المخاطبين تناول البر مثلا، فلا يكون ذلك العام محمولا على البر خاصة، بل يكون شاملا لكل ما يسمى طعاما، فهذا مذهبنا ، ومذهب الجمهور من المعتزلة، والأشعرية، وذهبت الحنفية إلى أنه يصح التخصيص بذلك، فزعموا أن الربو في نحو المثال السابق، إنما يحرم في البر خاصة؛ لأنه الذي تناوله لفظ الطعام؛ لأجل عادتهم.
Page 159