بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على محمد سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه، رب زدني علمًا أحمد الله على سرائر نعمائه حمدًا يملأ أطباق أرضه وسمائه، وأمجده وإن قصر الشكر من أدراك ثنائه، وأنزهه كما نزه نفسه بصفاته وأسمائه، وأصلي على سيدنا محمد الذي أرسله بالوعد والصدق، والوجه الطلق فكان بحق حبيب الحق وشفيع الخلق، وعلى آله ذوي الأخلاق الشريفة، والأحساب المنيفة وصحبة الأخيار التابعين له في الإعلان والأسرار. وبعد ... فإن جماعة من المشتغلين علي، والمترددين إلي التمسوا مني أن أبين ما ألغزه الشيخ الإمام ابن مالك المغربي في تصريفه، واتبع كل فصل بما يليق به من تصحيحه أو تزييفه فأجبت ملتمسهم، وشرحته، وكشفته كشفًا شافيًا، وأوضحته، ونبهت على ضوابطه
الجامعة، واحترازاته اللقيطة النافعة، وأرجو مم يقف عليه، ويتأمل ما أودعته فيه أن يمهد في التقصير عذري فإني والهموم تجاذب فكري، والله سبحانه المعين والموفق. قال: "الاسم المجرد من الزوائد إما ثلاثي كـ: فَلْس، وفَرَس، وكَبِد وعَضُد، وحِبْر، وعِنَب، وإبل، وبُرْد، وصُرَد وعُنُق." قلت: بدأ بتبيين وزن الاسم لأنه هو الأصل، ولما كان الاسم ينقسم إلى مجرد عن الزوائد
1 / 23
ومزيد فيه، بدأ بالمجرد لأنه الأصل أيضًا، ولما كان المجرد ينقسم إلى ثلاثي، ورباعي، وخماسي بدأ بالثلاثي لأنه الأخف، والأكثر استعمالًا. أما أنه أخف فلأنه على العدة التي تقضيها حكمة الوضع، ألا ترى أن الحرف الأول للابتداء، ولا يكون إلا متحركًا، والأخير للوقف، ويسكن فيه ويتحرك في الوصل، والحرف الثاني للفصل بينهما لئلا يلي الابتداء الوقف لأن المتجاورين كالشيء الواحد، والابتداء والوقف متضادان ففصل بينهما، ولهذا لم يجز البصريون ترخيمه مطلقًا، وأجاز الكوفيون ترخيمه إذا كان متحرك الوسط. وها هنا تنبيه؛ وهو أنه ليس المراد بالاعتدال قلة الحروف إذا يلزم من ذلك أن يكون الأخف نحو: من، وكم، ولا يقال ذلك، بل المراد بذلك ما قدمنا. وأما أنه أكثر استعمالًا فلكثرة أخويه، ومن يتأمل كلامهم عرف صحة ذلك. واعلم أن التقسيم يقتضي أن يكون أبنية الثلاثي عشر بناء؛ وبيانه أن الفاء إما أن تكون مفتوحة، أو مضمومة، أو مكسورة، والعين كذلك، وتزيد عليها بالسكون، وثلاثة في أربعة اثنا عشر.
1 / 24
لكن عُدِم مع ضم الفاء في الأسماء بناء، ومع كسرها بناء مطلقًا فبقيت أبنيته عشرة. وبدأ بالمفتوح الفاء، وله أربعة أبنية. فَعْلٌ بفتح وسكون العين، ويكون اسمًا وصفةً. فالاسم: صَقْر، والصفة: صَقَب.
وفَعَلٌ: بفتحها، ويكون ذلك كـ: جَمَل، وبَطَل. وفَعِل بفتح الفاء وكسر العين// ويكون نحو: كَبِد، وحَذِر. وفَعُل بفتح الفاء وضم العين، ويكون كذلك كعَضُد، وجَدُب. وتني بمكسورها؛ وله ثلاثة أبنية: فِعْل بكسر الفاء وسكون العين، ويكون كذلك نحو: عِدْل، ونِضْو. وفِعَل بكسر الفاء وفتح العين؛ وهو الاسم نحو: عِنَب. قال التصريفيون: لا نعلمه جاء صفة إلا في قولهم: قوم عدى وهو اسم جنس وصف به الجمع كالسفر، والركب، وليس تكسير لأنه لا نضير له في الجموع المكسرة.
1 / 25
وفِعٌلُ بكسرهما، ويكون كذلك كإبل، وبِلِز للمرأة العظيمة، وقيل: القصيرة. والمعدوم منه: فِعُل بكسر الفاء وضم العين، وعللوه بأنهم كرهوا الخروج من الكسر الذي هو ثقيل إلى الضم الذي هو أثقل منه. وأما: حِبُل بكسر الحاء وضم الباء فقد أستضعف، وأجيب عنه بأنه من التداخل، وذلك لأنه يقال: (حُبُلُ) كُعُنُق، (حِبُل) كابِل، فالمتكلم بـ (حِبُل) كأنه قصد الكسر أولًا ثم غفل فذكر الضم ثانيًا. وأكثر ما يكون التداخل من كلمتين كقنَطُ يقنَطُ بفتح العين منها فإنه لما قيل: قنَط
يقنِطُ كضرَبَ يضرِبُ، وقنط يقنَطُ كعَلِمَ يعلَم فَمَن فتح العين فيهما ركبهما من اللغتين، وثلث بمضمومهما، وله ثلاثة أبنية: فُعْلٌ بضم الفاء وسكون العين؛ ويكون كذلك كبُرْد، وعُبرِ.
1 / 26
يقال: ناقة عُبْر. أي لا تزال يسافر عليها. بضم الفاء وفتح العين، ويكون كذلك كرُبَع، وسُكَع.
وفُعُل بضمهما، ويكون كذلك كطُنُب وسُرُح يقل: ناقة سُرُح. والمعدوم منه في الأسماء (فُعِل) بضم الفاء وكسر العين، ويحنص بالفعل الثلاثي الصحيح العين غير المضاعف المبني للمفعول كضُرِبَ.
أما دُئِل اسم قبيلة أبي الأسود فقيل: إنها معرفة، من المعارف غير معول عليها في الأبنية لجواز أن تكون منقولة. وقيل: إنه اسم دويبة بابن عرس حكاه الأخفش. ونقل الميداني، أنه يقال: وُعِل لغة في الوَعِل.
1 / 27