بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رب أَنْعَمت فزد مُقَدّمَة الْمُؤلف الْحَمد لله الَّذِي أيقظ من شَاءَ من سنة الْغَفْلَة وَرفع من أحب لقاءه إِلَى عليين وَوضع عَنهُ أوزاره وَثقله وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة عَلَيْهَا من رِدَاء الْإِخْلَاص حلَّة وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الْمَبْعُوث بأشرف مِلَّة الْمَخْصُوص بأكرم خلة ﷺ وعَلى آله وَأَصْحَابه السَّادة الأجلة هَذَا مَا اشْتَدَّ تشوف النُّفُوس إِلَيْهِ من كتاب شاف فِي علم البرزخ أذكر فِيهِ الْمَوْت وفضله وكيفيته وَصفَة ملك الْمَوْت وأعوانه وَمَا يرد على الْمَيِّت عِنْد الإحتضار وَحَال الرّوح بعد مُفَارقَة الْبدن وصعودها إِلَى الله تَعَالَى وإجتماعها بالأرواح ومقرها بعد ذَلِك وَحَال الْقَبْر وضمته وفتنته وعذابه وسعته وضيقه وَمَا ينفع فِيهِ مستوعبا شرح كل ذَلِك من حِين يبْدَأ فِي مرض الْمَوْت إِلَى أَن ينْفخ فِي الصُّور نَاقِلا لَهُ من الْأَحَادِيث المرفوعة والْآثَار الْمَوْقُوفَة والمقطوعة متتبعا لذَلِك من كتب الحَدِيث مُعْتَمدًا كَلَام أَئِمَّة الحَدِيث فِي ذَلِك محررا مَا وَقع من ذَلِك فِي تذكرة الْقُرْطُبِيّ بالتنقيح والتخريج مَعَ زَوَائِد جمة لم تقع فِي كِتَابه وسميته شرح الصُّدُور بشرح حَال الْمَوْتَى والقبور وَأَرْجُو إِن كَانَ فِي الْأَجَل فسحة أَن أضم إِلَيْهِ كتابا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي أَشْرَاط السَّاعَة وَآخر فِي أَحْوَال الْبَعْث وَالْقِيَامَة وَصفَة الْجنَّة وَالنَّار على وَجه الإستيعاب أَيْضا حقق الله ذَلِك بمنه وَكَرمه آمين أخرج أَبُو نعيم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَمن ورائهم برزخ إِلَى يَوْم يبعثون﴾ قَالَ مَا بَين الْمَوْت إِلَى الْبَعْث

1 / 11

١ - بَاب بَدْء الْمَوْت ١ - قَالَ إِبْنِ أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَالْإِمَام أَحْمد فِي الزّهْد مَعًا حَدثنَا عَفَّان حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن حبيب بن الشَّهِيد عَن الْحسن قَالَ لما خلق الله تَعَالَى آدم وَذريته قَالَت الْمَلَائِكَة إِن الأَرْض لَا تسعهم فَقَالَ إِنِّي جَاعل موتا قَالُوا إِذا لَا يهنأ لَهُم الْعَيْش قَالَ إِنِّي جَاعل أملا ٢ - وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُجَاهِد قَالَ لما أهبط آدم ﵊ إِلَى الأَرْض قَالَ لَهُ ربه ابْن للخراب ولد للفناء ٢ - بَاب النَّهْي عَن تمني الْمَوْت وَالدُّعَاء بِهِ لضر ينزل بِهِ فِي المَال والجسد ١ - أخرج الشَّيْخَانِ عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت لضر نزل بِهِ فَإِن كَانَ لَا بُد متمنيا فَلْيقل اللَّهُمَّ أحيني مَا كَانَت الْحَيَاة خيرا لي وتوفني إِذا كَانَت الْوَفَاة خيرا لي ٢ - وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت وَلَا يدع بِهِ من قبل أَن يَأْتِيهِ إِنَّه إِذا مَاتَ أحدكُم إنقطع عمله وَإنَّهُ لَا يزِيد الْمُؤمن من عمره إِلَّا خيرا ٣ - وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت إِمَّا محسنا فَلَعَلَّهُ أَن يزْدَاد وَإِمَّا مسيئا فَلَعَلَّهُ أَن يستعتب

1 / 12

قَالَ فِي الصِّحَاح أعتبني فلَان إِذا عَاد إِلَى مسرتي رَاجعا عَن الْإِسَاءَة واستعتب وأعتب بِمَعْنى ٤ - وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ لَا تمنوا الْمَوْت فَإِن هول المطلع شَدِيد وَإِن من السَّعَادَة أَن يطول عمر الْمَرْء حَتَّى يرزقه الله الْإِنَابَة قَالَ فِي النِّهَايَة المطلع بِالتَّشْدِيدِ مَكَان الإطلاع من مَوضِع عَال وَالْمرَاد بِهِ هَا هُنَا مَا يشرف عَلَيْهِ من أَمر الْآخِرَة عقيب الْمَوْت تَشْبِيها بالمطلع الَّذِي يشرف عَلَيْهِ من مَوضِع عَال ٥ - وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أنس قَالَ لَوْلَا أَن رَسُول الله ﷺ نَهَانَا أَن نتمنى الْمَوْت لتمنيناه ٦ - وَأخرج البُخَارِيّ عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ دَخَلنَا على خباب نعوده وَقد إكتوى سبع كيات فَقَالَ لَوْلَا أَن النَّبِي ﷺ نَهَانَا أَن نَدْعُو بِالْمَوْتِ لَدَعَوْت بِهِ ٧ - وَأخرج الْمروزِي عَن الْقَاسِم مولى مُعَاوِيَة أَن سعد بن أبي وَقاص تمنى الْمَوْت وَرَسُول الله ﷺ يسمع فَقَالَ رَسُول الله ﷺ لَا تتمن الْمَوْت فَإِن كنت من أهل الْجنَّة فالبقاء خير لَك وَإِن كنت من أهل النَّار فَمَا يعجلك إِلَيْهَا ٨ - وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن إِبْنِ عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ لَا يتمن أحدكُم الْمَوْت فَإِنَّهُ لَا يدْرِي مَاذَا قدم لنَفسِهِ ٩ - وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن أم الْفضل أَن رَسُول الله ﷺ دخل عَلَيْهِم وَعَمه الْعَبَّاس يشتكي فتمنى الْمَوْت فَقَالَ لَهُ يَا عَم لَا تتمن الْمَوْت فَإنَّك إِن كنت محسنا فَإِن تُؤخر وتزداد إحسانا إِلَى إحسانك خير لَك وَإِن كنت مسيئا فَإِن توخر وتستعتب من إساتك خير لَك فَلَا تتمنين الْمَوْت ١٠ - وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله ﷺ قَالَ لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت من قبل أَن يَأْتِيهِ وَلَا يدع بِهِ إِلَّا أَن يكون قد وثق بِعَمَلِهِ

1 / 13

٣ - بَاب فضل طول الْحَيَاة فِي طَاعَة الله تَعَالَى ١ - وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ الْحَاكِم عَن أبي بكرَة أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله أَي النَّاس خير قَالَ من طَال عمره وَحسن عمله قَالَ فَأَي النَّاس شَرّ قَالَ من طَال عمره وساء عمله ٢ - وَأخرج الْحَاكِم عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ خياركم أطولكم أعمارا وَأَحْسَنُكُمْ أعمالا ٣ - وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ خياركم أطولكم أعمارا وَأَحْسَنُكُمْ أعمالا ٤ - وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن النَّبِي ﷺ قَالَ أَلا أنبئكم بخياركم قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ أطولكم أعمارا فِي الْإِسْلَام إِذا سددوا ٥ - وَأخرج أَيْضا عَن عَوْف بن مَالك قَالَ سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول كلما طَال عمر الْمُسلم كَانَ لَهُ خير ٦ - وَأخرج أَحْمد وإبن زَنْجوَيْه فِي ترغيبه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ رجلَانِ من بني حييّ من قضاعة أسلما مَعَ رَسُول الله ﷺ فاستشهد أَحدهمَا وَأخر الآخر سنة قَالَ طَلْحَة بن عبيد الله فَرَأَيْت الْجنَّة وَرَأَيْت الْمُؤخر مِنْهُمَا أَدخل قبل الشَّهِيد فعجبت من لذَلِك فَأَصْبَحت فَذكرت ذَلِك للنَّبِي ﷺ فَقَالَ أَلَيْسَ قد صَامَ بعده رَمَضَان وَصلى سِتَّة آلَاف رَكْعَة وَكَذَا وَكَذَا رَكْعَة صَلَاة سنة ٧ - وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار عَن طَلْحَة عَن النَّبِي ﷺ قَالَ لَيْسَ أحد أفضل عِنْد الله من مُؤمن يعمر فِي الْإِسْلَام لتسبيحه وتكبيره وتهليله ٨ - وَأخرج أَبُو نعيم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ إِن بَقَاء الْمُسلم كل يَوْم غنيمَة لأَدَاء الْفَرَائِض والصلوات وَمَا يرزقه الله من ذكره ٩ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن إِبْرَاهِيم بن أبي عَبدة قَالَ بَلغنِي أَن الْمُؤمن

1 / 14

إِذا مَاتَ تمنى الرّجْعَة إِلَى الدُّنْيَا لَيْسَ ذَاك إِلَّا ليكبر تَكْبِيرَة أَو يهلل تَهْلِيلَة أَو يسبح تَسْبِيحَة ٤ - بَاب جَوَاز تمني الْمَوْت وَالدُّعَاء بِهِ لخوف الْفِتْنَة فِي الدّين ١ - أخرج مَالك عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يمر الرجل بِقَبْر الرجل فَيَقُول يَا لَيْتَني كنت مَكَانَهُ ٢ - وَأخرج مَالك وَالْبَزَّار عَن ثَوْبَان أَن النَّبِي ﷺ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك فعل الْخيرَات وَترك الْمُنْكَرَات وَحب الْمَسَاكِين وَإِذا أردْت بِالنَّاسِ فتْنَة فاقبضني إِلَيْك غير مفتون ٣ - وَأخرج مَالك عَن عمر ﵁ أَنه قَالَ اللَّهُمَّ قد ضعفت قوتي وَكَبرت سني وانتشرت رعيتي فاقبضني إِلَيْك غير مضيع وَلَا مقصر فَمَا جَاوز ذَلِك الشَّهْر حَتَّى قبض ٤ - وَأخرج إِبْنِ عبد الْبر فِي التَّمْهِيد والمروزي فِي الْجَنَائِز وَأحمد فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن عليم الْكِنْدِيّ قَالَ كنت مَعَ أبي عبس الْغِفَارِيّ على سطح فَرَأى قوما يتحملون من الطَّاعُون فَقَالَ يَا طاعون خذني إِلَيْك ثَلَاثًا يَقُولهَا فَقَالَ لَهُ عليم لم تَقول هَذَا ألم يقل رَسُول الله ﷺ لَا يتمن أحدكُم الْمَوْت فَإِنَّهُ عِنْد ذَلِك إنقطاع عمله وَلَا يرد فيستعتب قَالَ فَقَالَ أَبُو عبس أما سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول بَادرُوا بِالْمَوْتِ سِتا إمرة السُّفَهَاء وَكَثْرَة الشَّرْط وَبيع الحكم وإستخفافا بِالدَّمِ وَقَطِيعَة الرَّحِم ونشوا يتخذون الْقُرْآن مَزَامِير يقدمُونَ الرجل لِيُغنيَهُمْ بِالْقُرْآنِ وَإِن كَانَ أقل مِنْهُم فقها قَالَ فِي الصِّحَاح تحمل بِمَعْنى إرتحل

1 / 15