شرح شافية ابن الحاجب
تأليف الشيخ رضي الدين محمد بن الحسن الاستراباذي النحوي ٦٨٦ هـ
مع شرح شواهده للعالم الجليل عبد القادر البغدادي صاحب خزانة الأدب المتوفي عام ١٠٩٣ من الهجرة
حققهما، وضبط غريبهما، وشرح مبهمهما، الاساتذة:
محمد نور الحسن - المدرس في تخصص كلية اللغة العربية
محمد الزفزاف - المدرس في كلية اللغة العربية
محمد محيى الدين عبد الحميد - المدرس في تخصص كلية اللغة العربية
دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
1 / 1
(جميع الحقوق محفوظة للشراح)
١٣٩٥ - ١٩٧٥ م بيروت - لبنان
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه
ومن والاه.
أما بعد، فهذا شرح أفضل المحققين، وأبرع المدققين، العالم الذي لا يشق غُبَاره، ولا يدْرِك مداه، نجم الملة والدين، محمد رضي الدين بن الحسن الأستراباذي، على مقدمة العلامة النحوي الفقيه الاصولي أبي بكر المعروف بابن الحاجب التي جمع فيها زبدة فن التصرف في أوراق قليلة، غَيْرَ تارك مما يجب علمه ولا يجمل بالمتأدب جهله شيئًا، مشيرًا فيها إلى اختلاف العلماء أحيانًا، وإلى لغات العرب ولهجاتهم أحيانًا أخرى.
وقد ظَلَّ شرح رضي الدين ﵀ رغم كثرة طبعاته وتعددها - سِرًّا محجوبًا، وكَنْزًا مدفونًا، لا يقرب منه أحا إلا أَخَذَهُ البَهْر، وأعجزه الوقوف على غوامضه وأسراره، ذلك لأنه كتاب ملأه صاحبه تحقيقًا، وأفعمه تدقيقًا، وجمع فيه أوابد الفن وشوارده، وأتى بين ثناياه على غرر ابن جني وتدقيقه، وأسرار ابن الانباري واستدلاله وتعليله، وإضافة المازني وترتيبه، وأمثلة سيبويه وتنظيره، ولم يترك في كل ما بحثه لقائل مَقالًا، ولا أبقى لباحثٍ منهجًا، حتى كان كتابه حَريًا بأن ينتجعه طالب الفائدة، ويقبل على مدارسته واستذكاره كل من أراد التفوق على أقرانه في تحصيل مسائل العلم ونوادره، وكان الذين قاموا على طبعه في الآستانة ومصر لم يعطوه من العناية ما يستحقه، حتى جاء في منظر أقلُّ ما يقال فيه إنه يبعد عنه، ولا يقرب منه، وبقي قراء العربية إلى يوم الناس هذا يعتقدون أن الكتاب وَعْرُ المسلك، صعبُ المُرْتَقى، لا تصل إليه الأفهام، ولا تدرك حقائقه الأوهام، فلم يكونوا
1 / 3
ليقبلوا عليه، ولا ليتعرضوا له، والكتاب - علم الله - من أمتنع الكتب وأوفاها، وأحلفها بالنافع المفيد، وأدناها إلى من ألقى له بالًا، ولم يثنه عن اقتطاف ثماره ما أحاط بها من قَتَاد.
وكم كنا نَوَد أن الله تعالى قَيَّضَ لنا من تنبعث همته إلى نشره على وَجْهٍ يرضى به الانصاف وعرفانُ الجميل، حتى أتيحت لنا هذه الفرصة المباركة، ووُكل
إلينا أمر مراجعته وإيضاح ما يحتاج إلى الإيضاح منه، فعكفنا على مراجعة أصوله، وضبط مبهماته، وشرح مفرداته، والتعليق على مسائله وما يختاره المؤلف من الآراء تعليقًا لا يُمِلّ قارئه ولا يحوجه إلى مراجعة غيره.
ثم عرض لنا أن نذيله بشرح شواهده الذي صنّفه العالم المطلع المحقق عبد القادر البغدادي صاحب (خزانة الأدب، ولب لباب لسان العرب) التي شرح فيها شواهد شرح رضي الدين على مقدمة ابن الحاجب في النحو، فلما استقر عندنا هذا الرأي لم نشأ أن نطيل في شرح الشواهد أنناء تعليقاتنا، وأرجأنا ذلك إلى هذا الشرح الوسيط، واجتزأنا نحن بالإشارة المفهمة التي لا بدّ منها لبيان لغة الشاهد وموطن الاستشهاد.
وليس لأحدنا عمل مستقل في هذا الكتاب، فكل ما فيه من مجهود قد اشتركنا ثلاثتنا فيه إشتراكًا بأوسع ما تدل عليه العبارة، فلم يَخُطَّ أحدنا حرفًا أو حركة إلا بعد أن يقر الآخران ما أراد، فإن يكن هذا العمل قد جاء وافيًا بما قصدنا إليه، مؤديًا الغرض الذي رجونا أن يؤديه، كان ذلك غاية أملنا ومنتهى سؤلنا، وإن تكن الأخرى فهذا جهد المقل، وحسبك من غِنىً شبع وري.
والله تعالى المسئول أن يتقبل منا، وأن يجعل عملنا خالصًا لوجهه، مقر بامنه، امين كتبه محمد نور الحسن محمد الزفزاف محمد محيي الدين عبد الحميد
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم [وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم] أما بعد حمد الله توالي نعمه، والصلاةِ على رسوله محمد وعِتْرَتهِ المعصومين، فقد عزمت على أن أشرح مقدمة ابن الحاجب في التصريف والخط، وَأَبْسُطَ الكلام في شرحها كما في شَرْحِ أُخْتِها بَعضَ البَسْطِ، فإن الشُّرَّاح قد اقتصروا على شرح مُقَدِّمة الإعراب، وهذا - مع قرب التصريف من الإعراب في مَسَاس الحاجة إليه، ومع كونهما من جنس واحد - بعيدٌ من الصواب، وعلى
الله المُعَوَّل في أن يوفقني لإتمامه، بمنه وكرمه، وبالتوسل بِمَنْ أنا في مُقَدَّس حرمه، عليه من الله أزكى السلام، وعلى أولاده الغرِّ الكرام.
قال المصنّف: (الحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاة عَلَى سَيِّدنا محمَّدٍ وَآلِهِ الطاهرين.
وَبَعْد فَقَدِ التَمَسَ مِنِّي مَنْ لا تَسْعنِي مُخَالَفَته أنْ أُلحَقَ بِمقدِّمَتِي في الإعْرابِ مُقَدِّمَةً في التَّصْرِيفِ عَلَى نَحْوِها، ومقدِّمَةً في الخَطِّ، فَأَجَبْته سائلًا متضرِّعًا أنْ يَنْفَعَ بِهِما، كَمَا نَفَعَ بأختهما والله الموفق.
التَّصريفُ عِلْمٌ بأُصُولٍ تُعْرَفُ بها أَحْوَالُ أَبْنِيَةِ الكلم التي ليس بإِعْراب.
أقول: قوله (بأصول) يعني بها القوانين الكلية المنطبقةَ على الجزئيات،
1 / 1
كقولهم مثلًا (كل واو أو ياء إذا تحركت وانفتح ما قبلها قُلِبَتْ ألفًا) والحق أن هذه الأصول هي التصريف، لا العلم بها (١) قوله (أبنية الكلم) المراد من بناء الكلمة ووزنها وصيغتها هَيْئَتُها التي يمكن أن يشاركها فيها غيرهما، وهي عدد حروفها المرتبة وحركاتها المعينة وسكونها مع اعتبار الحروف الزائدة والأصلية كُلٌّ في موضعه، فرَجُل مثلًا على هيئة وصفة يشاركه فيه عَضُد (٢)، وهي كونه على ثلاثةٍ أولها مفتوح وثانيها مضموم، وأما الحرف الأخير فلا تعتبر حركته وسكونه في البناء، فَرَجُل ورَجُلًا ورَجُلٍ على بناء واحد، وكذا جَمَلٌ على بناء ضَرَبَ، لأن الحرف الأخير لحركة الإعراب وسكونه وحركة البناء وسكونه، وإنما قلنا (يمكن أن يشاركها) لأنه قد لا يشاركها في الوجود كالحِبُكِ - بكسر الحاء وضم الباء - فإنه لم يأت له نظير (٣)، وإنما قلنا (حروفها المرتبة) لأنه إذا تغير النظم والترتيب تغير الوزن،
_________
(١) تريد الاعتراض على ابن الحاجب حيث قال (التصريف علم بأصول)
ولم يقل التصريف أصول، وذلك أن عبارة ابن الحاجب تشعر بأن التصريف غير الاصول المذكورة، والحق أن عبارة ابن الحاجب مستقيمة، ولا وجه للاعتراض المذكور عليها، وذلك أنه قد تقرر عند العلماء أن لفظ العلم يطلق إطلاقا حقيقيا على الاصول والقواعد، وهي القضايا الكلية التى يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها، وعلى التصديق بهذه الاصول والقواعد، وعلى ملكة استحضارها الحاصلة من تكرير التصديق بها، فقول ابن الحاجب (التصريف علم بأصول) يجوز أن يراد من العلم فيه القواعد، فتكون الباء قى قوله (بأصول) للتصوير، وأن يراد منه التصديق فتكون الباء للتعدية، وأن يراد منه ملكة الاستحضار فتكون الباء للسببية إلا أن القواعد سبب بعيد للملكة، والسبب القريب التصديق بها (٢) العضد - كرجل وفلس وعنق وقفل وكتف - من الانسان وغيره الساعد وهو ما بين المرفق إلى الكتف (٣) الحبيكة - كسفينة - الطريق في الرمل ونحوه، واسم الجمع حبيك، والجمع (*)
1 / 2
كما تقول: بئس على وزن فَعِلَ وَأَيِسَ على وزن عَفِلَ، وإنما قلنا (مع اعتبار الحروف الزائدة والأصلية) لأنه يقال: على وزن فَعْلَلَ أو أَفْعَلَ أو فَاعلَ مع توافق الجميع في الحركات المعينة والسكون، وقولنا " كل في موضع " لأن نحو دِرْهَم ليس على وزن قِمَطْرٍ (١) لتخالف مواضع الصفحتين والسكونين، وكذا نحو بَيْطَر (٢) مخالف لشَرْيَفَ (٣) في الوزن لتخالف موضعي الياءين، وقد يُخَالَف ذلك (٤) في أوزان التصغير فيقال: أوزان التصغير ثلاثة: فُعَيْلٌ، وفُعَيْعِلٌ، وفُعَيْعِيلٌ فيدخل في فُعَيْعل أُكيْلب وَحُميّر ومُسَيْجِد ونحوها، وفي فُعَيْعِيل مُفَيْتيح وَتُمَيْثيل ونحو ذلك، [وذلك] (٥) لما سيجى
_________
حبائك وحبك، كسفين وسفائن وسفن، وقد قرى في الشواذ: (والسماء ذَاتِ
الحِبُكِ) بكسر الحاء وضم الباء، وهذه هي التي عناها الشارح المحقق بأنها لا نظير لها (١) القمطر: الجمل القوي السريع، وقيل: الجمل الضخم القوي، ورجل قمطر: قصير، وامرأة قمطرة: قصيرة عريضة، والقمطر والقمطرة: ما تصان فيه الكتب (٢) بيطر: عالج الدواب، فهو بيطار.
وبطر كفرح وبيطر كجعفر وبيطر كهزبر ومبيطر، وأصله بطر الشئ يبطره شقه، وبابه نصر (٣) شريف الزرع: قطع شريافه، وهو ورقة إذا كثر وطال وخشى فساده، ويقال: شرنفه، أي قطع شرنافه، وهو بمعنى الاول (٤) اسم الاشارة في قوله " ذلك " يعود إلى اعتبار الحروف الزائدة والأصلية كُلٌّ في موضعه في الوزن، فأكيلب وزنه التصريفي أفيعل والتصغيري فعيعل، وحمير وزنه التصريفي فعيل والتصغيري فعيعل، ومسيجد وزنه التصريفي مفيعل والتصغيري فعيعل، ومفيتيح وزنه التصريفي مفيعيل والتصغيري فعيعيل وتميثيل وزنه التصريفي تفيعيل والتصغيري فعيعيل، وسيأتي للشارح توجيه هذه المخالفة عند قول المصنف " ويعبر عنها بالفاء والعين واللام " (٥) هذه الزيادة عن النسخة الخطية (*)
1 / 3
قوله " أحوال أبنية الكلم " يُخْرِجُ من الحد معظم أبواب التصريف، أعني الأصول التي تعرف بها أبنية الماضي والمضارع والأمر والصفة وأفعل التفضيل والآلة والموضع والمصغر والمصدر، وقد قال المصنف بعد مُدْخِلًا لهذه الأشياء في أحوال الأبنية: " وأحوال الأبنية قد تكون للحاجة كالماضي والمضارع " إلخ وفيه نظر (١)، لأن العلم بالقانون الذي تعرف به أبنية الماضي من الثلاثي والرباعي
_________
(١) هذا النظر في قول المصنف بعد مُدْخِلًا لهذه الأشياء في حد التصريف " وأحوال الأبنية قد تكون للحاجة كالماضي والمضارع والامر واسمى الفاعل والمفعول
وَالصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ وَأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ وَالْمَصْدَرِ وَاسْمَيِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالآلَةِ وَالْمُصَغَّرِ وَالْمَنْسُوبِ وَالْجَمْعِ وَالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَالابْتِدَاءِ وَالْوَقْفِ، وقدْ تَكُونُ لِلتَّوَسُّع كَالْمقْصُورِ وَالْمَمْدُودِ وذِي الزِّيَادَةِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلْمُجَانَسَةِ كَالإِْمَالَةِ، وَقَدْ تكون للاستثقال كتخفيف الهمزة والاعلال والابدال والادغام والحذف " والحاصل أن قول المصنف " تعرف بها أحوال الابنية " إن جعلت الاضافة فيه بيانية دخل فيه الاصول التي تعرف بها أبنية الماضي والمضارع والامر واسم الفاعل اسم المفعول والصفة المشبهة وأفعل التفضيل وأسماء الزمان والمكان والالة والمصغر والمنسوب والجمع، وخرج منه الاصول التي تعرف بها أحوال الابنية كالاصول التى يعرف بها الابتداء والامالة وتخفيف الهمزة والاعلال والابدال، والحذف وبعض الادغام، وهو إدغام بعض حروف الكلمة في بعض نحو مد وامتد وشد واشتد، وبعض التقاء الساكنين وهو ما إذا كان الساكنان في كلمة نحو قل وبع، وخرج منه الاصول التى يعرف بها الادغام في كلمتين نحو " منهم من ينظر " و" منهم من يقول " و" منهم من يستمع " " فما له من وال " " قل لزيد " والتي يعرف بها التقاء الساكنين في كلمتين نحو " ادخل السوق " " واشتر الكتاب " وإن جعل الاضافة على معنى اللام خرج من الحد النوع الاول والثالث، ثم ذكر الشارح المحقق أن قول المصنف " وأحوال الابنية قد تكون الخ " مشكل على كل حال، وذلك أن الماضي وما ذكر معه الى الجمع ليس أبنية ولا أحوال أبنية كما أن الادغام من كلمتين والتقاء الساكنين من كلمتين كذلك، فلا يستقيم قوله " وأحوال الابنية قد تكون للحاجة كالماضي والمضارع الخ " سواء أجعلت الاضافة بيانية أم على معنى اللام (*)
1 / 4
والمزيد فيه وأبنية المضارع منها وأبنية الأمر وأبنية الفاعل والمفعول تصريفٌ بلا خلاف، مع أنه علم بأصول تُعْرَفُ به أبنية الكلم، لا أحوال أبنيتها، فإن أراد
أن الماضي والمضارع (مثلًا) حالان طارئان على بناء المصادر ففيه بُعْد، لأنهما بناءان مستَأْنَفَان بُنِيا بعدَ هَدْمِ بناء المصدر، ولو سلمنا ذلك فلم عَدَّ المصادر في أحوال الأبنية؟ فإن القانون الذي تُعْرَفُ به أبنيتها تصريفٌ، وليس يعرف به حال بناء، والماضي والمضارعُ والأمرُ وغيرُ ذلك مما مر كما أنها ليس بأحوال الأبنية ليست بأبنية أيضًا على الحقيقة، بل هي أشياء ذوات أبنية، على ما ذكرنا من تفسير البناء، بلى قد يقال لضَرَبَ مثلًا: هذا بناء حالُهُ كذا، مجازًا، ولا يقال أبدًا: إن ضَرَبَ حالُ بناء، وإنما يدخل في أحوال الأبنية الابتداء، والإمالةُ، وتَخفيفُ الهمزة، والإعلال، والإبدال، والحذف، وبعض الإدغام، وهو إدغام بعض حروف الكلمة في بعض، وأما نحو " قُل لَّه " فالإدغام فيه ليس من أحوال البناء، لأن البناء على ما فسرناه لم يتغير به، وكذا بعض التقاء الساكنين، وهو إذا كان الساكنان من كلمة كما في قُلْ وأصله قُوْلْ، وأما التقاؤهما في نحو " اضْرِبِ الرجل " فليس حالًا لبناء الكلمة، إذ البناء - كما ذكرنا - يعتبر بالحركات وَالسكنات التي قبل الحرف الأخير، فهذه المذكورات أحوال الأبنية، وباقي ما ذكر هو الأبنية، الا الوقف والتقاء الساكنين في كلمتين والإدغام فيهما، فإن هذه الثلاثة لا أبنية ولا أحوال أبنية.
قوله " التي ليست بإعراب " لم يكن محتاجًا إليه، لأن بناء الكلمة - كما ذكرنا - لا يعتبر فيه حالات آخر الكلمة، والإعراب طارٍ على آخر حروف الكلمة، فلم يدخل إذن في أحوال الأبنية حتى يجترز عنه، وإن دخل (١) فاحتاج إلى الاحتراز فكذا البناء، فهلاَّ احترز عنه أيضا؟ !
_________
(١) قول الشارح المحقق " وإن دخل فاحتاج إلى الاحتراز فكذا البناء فهلا " (*)
1 / 5
واعلم أن التصريف (١) جزء من أجزاء النحو بلا خلاف من اهل الصناعة،
والتصريف - على ما حكى سيبويه عنهم - هو أن تبني (٢) من الكلمة بناء لم
_________
احترز عنه أيضا " نقول: قد يقال: إن المراد من الاعراب ما يشمل البناء، وإطلاق الاعراب على ما يشمل البناء كثير في كلامهم، من ذلك قول المصنف " أن ألحق بمقدمتي في الاعراب مقدمة في التصريف على نحوها " فهو إما حقيقة عرفية أو مجاز مشهور، وكلاهما لا يضر أخذه في التصريف.
(١) قول الشارح المحقق " واعلم التصريف جزء من أجزاء النحو ب خلاف من أهل الصنعة " نقول: هذا على طريقة المتقدمين من النحاة، فانهم يطلقون النحو على ما يشمل التصريف، ويعرف على هذه الطريقة بأنه علم يعرف به أحكام الكلم العربية إفرادا وتركيبا، أو بأنه العلم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة الى معرفة أحكام أجزائه التي ائتلف منها، والمتأخرون على أن التصريف قسيم النحو لا قسم منه، فيعرف كل منهما بتعريف يميزه عن قسيمه وعن كل ما عداه فيعرف النحو بأنه علم يبحث فيه عن أحوال أواخر الكلم إعرابا وبناء، وأما التصريف فيستعمل في الاصطلاح مصدرا واسما علما، فيستعمل مصدرا في تغيير الكلمة عن أصل وضعها، ويتناول هذا المعنى نوعين من التغييرات: الاول: تحويل الكلمة الى أبنية مختلفة لضروب من المعاني لا تحصل الا بذلك التحويل، وذلك كتحويل المصدر الى اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل واسم الزمان والمكان والالة، وكالتحويل الى التثنية والجمع والتصغير والنسب، والثاني: تغيير الكلمة عن أصل وضها لقصد الالحاق أو التخلص من التقاء الساكنين أو التخفيف، وذلك التغيير كالزيادة والحذف والاعلال والابدال وتخفيف الهمزة والادغام، ويستعمل التصريف اسما علما في القواعد التي يعرف بها أبنية الكلمة وما يكون لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وحذف وإبدال وإدغام وابتداء وإمالة، وما يعرض لاخرها مما ليس باعراب ولا بناء كالوقف والادغام والتقاء
الساكنين، وهذان التعريفان غير التعريف الذي حكاه الشارح عن إمام أهل الصنعة سيبويه.
(٢) قول الشارح " أن تبنى من الكملة بناء لم تبنه العرب الخ " نقول: يريد (*)
1 / 6
تَبْنِهِ العربُ على وزن ما بَنَتْهُ ثم تعمل في البناء الذي بنيته ما تقتضيه فياس كلامهم، كما يتبين في مسائل التمرين إن شاء الله تعالى، والمتأخرون على أن التصريف علم بأبنية الكلمة، وبما يكون لحروفها من أصالة وزيادة وحذف وصحة وإعلال وإدغام وإمالة، وبما يعرض لآخرها مما ليس بإعراب ولا بناء من الوقف وغير ذلك.
أنواع الأبنية قال: " وَأَبْنِيَةُ الاسْمِ الأصُولُ ثُلاثِيَّةٌ ورُباعِيَّةٌ وخُمَاسِيَّةٌ وَأَبْنِيَةُ الفعل ثلاثية ورباعية (١)
_________
أن تأخذ من الكلمة لفظا لم تستعمله العرب على وزن ما استعملته ثم تعمل في هذا اللفظ الذي أخذته ما يقتضيه قياس كلامهم من إعلال وإبدال وإدغام، فإذا بنيت من وأيت مثل قفل قلت وؤى، فإذا خففت الهمزة بابدالها من جنس حركة ما قبلها صار وويا، فعلى أن قلب الواو الاولى همزة في مثل هذا واجب يقال: أوى، وعلى أنه جائز يقال: " أوى "، أو " ووى "، وإذا بنيت من وأيت مثل كوكب قلت: وَوْأَيٌ، تعل الياء بقلبها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم تحذف الالف لالتقاء الساكنين، فإذا خففت الهمزة بنقل حركتها الى ما قبلها ثم حذفها، فعلى القول بوجوب القلب في مثله يقال: أوى، كفتى، وعلى القول بعدم وجوبه يقال: أوى، أو ووى.
(١) قول المصنف " وأبنية الاسم الاصول ثلاثية ورباعية الخ " مقتضاه أن الابنية الاصول للاسم والفعل لا تكون أقل من ثلاثة، وهو كذلك بالنظر إلى أصل
الوضع وأما بالنظر إلى الاستعمال فقد تكون على حرفين وعلى حرف واحد، مثال ما كان على حرفين من الاسم وهو محذوف اللام أب وأخ ويد وثبة وأمة، ومثاله محذوف الفاء عدة وزنة ودية وشية، ومثاله محذوف العين وهو قليل لم يسمع إلا في ثلاث كلمات: سه اتفاقا، وأصله سته بدليل جمعه على أستاه، ومذ على رأى من يقول: إن أصلها منذ، استدلالا بأنك لو سميت بمذ صغرته على منيذ وجمعته على أمناذ، قال الشارح في شرح الكافية: ومنه منه صاحب المغنى في الموضعين وقال: قولهم منيذ وأمناذ غير منقول عن العرب، وأما تحريك ذال مذفى نحو " مذ اليوم " بالضم للساكنين (*)
1 / 7
أقول: لم يتعرض النحاة لأبنية الحروف لندور تصرفها، وكذا الأسماء (١) العريقة البناء كَمَنْ ومَا
_________
أكثر من الكسر فلا يدل أيضا على أن أصله منذ، لجواز أن يكون للاتباع، وضم ذال مذ - سواء كان بعده ساكن أو لا - لغة غنوية، فعلى يجوز أن يكون أصله الضم فخفف فلما احتيج الى التحريك للساكنين رد إلى أصله كما ف ى " لهم اليوم " والكلمة الثالثة ذا الاشارية، على رأى من يقول: إن المحذوف منها العين، وإن أصلها ذوى، لكثرة باب طويت، وورود الامالة في ألفها ولا سب لها هنا الا انقلابها عن ياء، وهذا ما اختاره الشارح في باب التصغير والاعلال، ولكن اختار في شرح الكافية أن أصله ذيى، وأن المحذوف منه اللام، لان حذف اللام اعتباطا أكثر من حذف العين، والحمل على الاكثر عند خفاء الاصل أولى، ومثال ما كان على حرف واحد في الاسم " م الله " على رأى من يقول: إن أصله " أيمن الله " وأما على رأى من يقول: إنه موضوع للقسم هكذا ابتداء وليس مختصرا من ايمن، فهو حرف قسم كالباء والواو، وأما الفعل فقد يكون على حرفين، والمحذوف منه العين كقل وبع وسل، وقد يكون كذلك والمحذوف منه الفاء كضع ودع وذر،
وقد يكون على حرف واحد والمحذوف منه الفاء واللام المعتلان نحو " ع كلامي " و" ق نفسك " (١) قول الشارح " وكذا الاسماء العريقة البناء " يريد المتأصلة في البناء، وهو مستعار من قولهم: أعرق الرجل، إذا صار عريقا، أي: أصيلا، وهو الذى له عروق في الكرم أو اللؤم، هذا، ولم يتعرض الشارح للسر في أن أقل الابنية ثلاثة، ولا للسر في أن الاسم لا يكون سداسيا، ونحن نذكر لك ما قيل في ذلك: قال أبو حيان: إنما كان أقل الاصول ثلاثة لانه لابد من حرف يبتدأ به، وحرف يسكت عليه، وحرف يحشى به الكلمة لان بعض الكلم يحتاج إليه في بعض الاحكام، ألا ترى أن التصغير لا يتصور في اسم على حرفين لان ياءه إنما تقع ثالثة وحرف الاعراب بعدها، وفيه أن هذا إنما يتم في الاسم لا الفعل، وقال الجار بردى: " الاصل في كل كلمة أن تكون على ثلاثة أحرف: حرف يبتدأ به، وحرف يوقف عليه، وحرف يكون واسطة بين المبتدأ به والموقوف عليه، إذ (*)
1 / 8
واعلم انه لم يُبْنَ من الفعل خماسي، لأنه إذن يصير ثقيلًا بما يلحقه مُطَّرِدًا من حروف المضارعة وعلامة اسم الفاعل واسم المفعول (١) والضمائر المرفوعة التي هي كجزء الكلمة، وإنما قال " الاصول " لانه يزداد على ثُلاثِيِّ الفعل واحدٌ كأخرج، واثنان كانقطع، وثلاثة كاستخرج، وعلى رباعية واحد كتدحرج، واثنان كاحرنجم (٢) ويزاد على ثلاثى الاسم واحد نحو ضارب، واثنان كمضروب، وثلاثة كمستخرج، وأربعة كاستخراج، وعلى رُباعِيَّة وَاحدٌ كمُدَحْرِج، واثنان كمتدحرج، وثلاثة كاحربحام (٢)، ولم يُزَدْ في خُمَاسِيِّه غير حرف مد قبل الآخر نحو سلسبيل (٣) وعضر فوط (٤) أو بعده مُجَرَّدًا عن التاء كقبعثرى (٥)
_________
يجب أن يكون المبتدأ به متحركا والموقوف عليه ساكنا، فلما تنافيا صفة كرهوا
مقارنتهما، ففصلوا بينهما بحرف لا تجب فيه الحركة ولا السكون، فكان مناسبا لهما " وهو منقوض بما كان على حرفين من الحروف والاسماء المشبهة لها، قال: " وإنما جوزوا في الاسم رباعيا وخماسيا للتوسع، ولم يجوزوا سداسيا لئلا يوهم أنه كلمتان، إذ الاصل في الكلمة أن تكون على ثلاثة أحرف " هذا، وأكثر أنواع الابنية وقوعا في الكلام الثلاثي، ويليه الرباعي، ويليه الخماسي (١) قول الشارح " وعلامة اسم الفاعل والمفعول " ظاهره أن علامة اسم الفاعل والمفعول تلحق الفعل وليس كذلك، والصواب حذفه والتعليل تام بدونه (٢) الاحرنجام: الاجتماع، يقال: اخر نجم القوم، إذا اجتمع بعضهم إلى بعض، وحرجمت الابل: إذا رددت بعضها إلى بعض، فاحرنجمت: أي ارتد بعضهما الى بعض واجتمعت (٣) يقال: شراب سلسل وسلسال وسلسبيل، إذا كان سهل المدخل في الحلق، واختلف علماء اللغة في قوله تعالى: (عينا فيها تسمى سلسبيلا) فقيل: إنه اسم عين في الجنة، وصرف وحقه المنع للعلمية والتأنيث، للتناسب، وقيل: إنه وصف للعين، وعليه فلا إشكال في صرفه (٤) العضرفوط: دويبة بيضاء ناعمة، وقيل: ذكر العظاء (٥) القبعثرى: العظيم الشديد، والانثى قبعثراة، قال المبرد: ألفه ليست (*)
1 / 9
أو معها كقَبَعْثَراة، وندر قَرَعْبَلانَة (١) وإصْطَفْلِينَةُ (٢)
الميزان الصرفي قال: " وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَاللاَّمِ، وَمَا زَادَ بِلاَم ثَانِيَةٍ وَثَالِثَةٍ، وَيُعَبَّرُ عَنِ الزَّائِدِ بلَفْظِهِ، إلاَّ الْمبدلَ مِنْ تَاء الافْتِعَالِ فَإِنَّهُ بِالتّاء، وَإِلاَّ الْمُكَرَّرَ لِلإِْلْحَاقِ أَوْ لِغَيْرِهِ فإنه بما تقدمه وإنْ كان من حُرُوفِ الزِّيَادَة إِلاَّ بَثَبَتٍ، ومِنْ ثَمَّ كَانَ حِلْتِيتٌ (٣) فِعْليلًا، وسحنون (٤)
_________
للتأنيث ولا للالحاق، وإنما هي لمجرد تكثير البنية
(١) القرعبلانة: دوية عريضة عظيمة البطن، قال ابن سيده: وهو مما فات الكتاب من الابنية، قال الجواهري: أصل القرعبلانة قرعبل، فزيدت فيه ثلاثة أحرف، لان الاسم لا يكون على أكثر من خمسة أحرف، وقيل: إن هذه اللفظة لم تسمع إلا في كتاب العين، وهو غير موثوق به (٢) في القاموس: " الا صطفلين - كجر دحلين بزيادة الياء ولنون -: الجزر الذي يؤكل، الواحدة إصطفيلنة، وفي كتاب معاوية إلى قيصر: " لانتزعنك من الملك انتزاع الاصطفلينة، ولاردنك إريسا من الارارسة ترعى الدوبل " اه والاريس: الاكار: أي الحراث، والدوبل: الخنزير أو الذكر من الخنازير خاصة أو ولده، قال ابن الاثير: ليست اللفظة - بمعنى الاصطفلينة - بعربية محصنة لان الصاد والطاء لا يكادان يجتمعان إلا قليلا، وقول الشارح " وندر قرعلانة وإصطفلينة " نقول: ذكر بعضهم أنه زيد في الخماسي حرفا مد قبل الاخر، نحو مغناطيس، قال: فان صح ذلك وكان عربيا جعل نادرا، وقد حكاه - أعنى مغناطيس - ابن القطاع، ونقول: " في اللسان المغنطيس حجر يجذب الحديد، وهو معرب " وفى القاموس " المغنطيس والمغنطيس والمغناطيس: حجر يجذب الحديد، معرب " اه (٣) قال في اللسان: قال أبو حنيفة: " الحلتيت عربي أو معرب ولم يبلغني أنه ينبت ببلاد العرب ولكن ينبت بين بست وبين بلاد القيقان، وهو نبات يسلنطح ثم يخر من وسطه قصبة تسمو وترفع، والحلتيت أيضا: صمغ يخرج في أصول ورق تلك القصبة، وأهل تلك البلاد يطبخون بقلة الحلتيت ويأكلونها وليست مما يبقى على الشتاء " اه (٤) لم نجد هذه الكلمة في القاموس وشرحه ولا في اللسان، وفى شرح الجاربدرى أنه أول الريح والمطر (*)
1 / 10
وَعُثْنُونٌ (١) فُعْلُولًا لا فُعْلُونًا لِذَلِكَ وَلِعَدَمِهِ، وَسَحْنُونٌ إِنْ صَحَّ الْفَتْحُ فَفَعْلونٌ لا فَعْلُولٌ كَحَمْدُونٍ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالعَلَم، لِنُدُورِ (٢) فَعْلُولٍ وَهُوَ صَعْفُوقٌ (٣)، وَخَرْنُوبٌ ضَعيفٌ، وسَمْنَانُ (٤) فَعْلاَنٌ، وَخَزْعالٌ (٥) نَادِرٌ وبُطْنَان (٦) فُعْلان، وَقُرْطَاسٌ (٧) ضَعِيفٌ مَعَ أَنَّهُ نَقيضُ ظُهْرَانٍ "
_________
(١) قال في القاموس: " العثنون اللحية، أو ما فضل منها بعد العارضين، أو ما نبت على الذقن وتحته سفلا، أو هو طولها، وشعيرات طوال تحت حنك البعير ومن الريح والمطر أولهما، أو عام المطر، أو المطر ما دام بين السماء والارض " (٢) مرجع الضمير في قوله: " وهو مختص بالعلم " فعلون (بفتح أوله وبالنون) وقوله " لندور فعلول " تعليل لحمله على فعلون ونفى كونه فعلولا (٣) قوله " وهو صعفوق " يريد الذي ندر من فعلول بفتح أوله، قال في اللسان: " وقال الازهرى كل ما جاء على فعلول فهو مضموم الاول مثل زنبور وبهلول وعمروس وما أشبه ذلك، الا حرفا جاء نادرا وهو بنو صعفوق لخول باليمامة.
وبعضهم يقول صعفوق بالضم، قال ابن بري: رأيت بخط أبي سهل الهروي على حاشية كتاب: جاء على فعلول (بالفتح) صعفوق وصعقول لضرب من الكمأة وبعكوكة الوادي لجانبه، قال ابن بري: أما بعكوكة الوادي وبعكوكة الشر فذكرها السيراني وغيره بالضم لا غير، أعني بضم الباء، وأما الصعقول لضرب من الكمأة فليس بمعروف ولو كان معروفا لذكره أبو حنيفة في كتاب النبات وأظنه نبطيا أو أعجميا " اه وقد ذكر المجد في القاموس الصندوق بضم أوله وفتحه فهو مزيد على ما حكاه ابن بري عن الهروي (٤) سمنان كما قال الشارح: اسم موضع، قيل: هو من أرض نجد، وقيل: هو مدينة بين الرى ونيسابور (٥) سيأتي في كلام الشارح تفسير الخزعان بأنه ظلع يصيب الناقة (٦) بطنان: اسم لباطن ريش الطائر، وظهران: اسم لظاهره، وسيأتى لهذا
القول تكملة (٧) القرطاس - بضم أوله، وقد يفتح، والاشهر فيه الكسر - وهو الكاغد: أي ما يكتب فيه (*)
1 / 11
أقول: يعني إذا أردت وزن الكلمة عبرت عن الحروف الأصول بالفاء والعين واللام: أي جعلت في الوزن مكان الحروف الأصلية هذه الحروف الثلاثة كما تقول: ضَرَبَ على وزن فَعَلَ اعلم أنه صيغ لبيان الوزن المشترك فيه كما ذكرنا لفظٌ متصف بالصفة التى يقال لها الوزن، واستعمل ذلك اللفظ في معرفة أوزان جميع الكلمات، فقيل: ضَرَبَ على وزن فَعَلَ، وكذا نَصَرَ وخَرَجَ، أي: هو على صفة يتصف بها فَعَلَ، وليس قولك فَعَلَ هي الهيئة المشتركة بين هذه الكلمات، لأنا نعرف ضرورةً أن نفس الفاء والعين واللام غير موجودة في شئ من الكلمات المذكورة، فكيف تكون الكلمات مُشْتَرِكة في فَعَلَ؟ بل هذا اللفظ مصوغ ليكون محلًا للهيئة المُشْتَرَكةِ فقط، بخلاف تلك الكلمات، فإنها لم تُصَغْ لتلك الهيئة بل صيغت لمعانيها المعلومة، فلما كان المراد من صَوْغ فَعَلَ الموزون به مجرَّدَ الوزن سُمِّيَ وزنًا وزِنَةً، لا أنه في الحقيقة وزن وزنة، وإنما اختير لفظ فَعَلَ لهذا الغرض من بين سائر الألفاظ لأن الغرض الأهم من وزن الكلمة معرفة (١) حروفها
_________
(١) المراد أن يعرف المتعلم باختصار الفرق بين الاصلى والزائد ومحل الاصلى، فإذا قيل له إن وزن منطلق منفعل، كان أخصر من أن يقال الميم والنون زائدتان، وكذا إذا قيل له أن ناء فلع كان أخصر من أن يقال له إن اللام مقدمة على العين، وهكذا، وبما ذكرنا اندفع ما يقال: كيف تعرف الاصالة والزيادة من المقابلة بالفاء والعين واللام مع أن المقابلة فرع معرفة الاصالة والزيادة، وذلك أن المعلم
إذا عرف الاصالة والزيادة من أدلتهما وأراد أن يعرف المتعلم باختصار الاصالة والزيادة قابل له حروف الكلمة التيژ يريد أن يعرفه حالها بحروف الميزان، ثم إن ما ذكر من أن المقابلة بالفاء والعين واللام تدل على الاصالة إنما هو في غير المكرر أما هو سواءأ كان تكراره للالحاق أم لغيره فانما تعرف الاصالة والزيادة فيه من أمر آخر وهو أن كل تضعيف في كلمة زائدة على ثلاثة أحرف فأحد الضعفين فيها زائد كفطع وجلبب وركع (جمع راكع)، وقردد، إذا لم يفصل بين المثلين (*)
1 / 12
الاصول وما يزيد فيها من الحروف وما طرأ عليها من تغييرات لحروفها بالحركة والسكون، والمطَّردُ في هذا المعنى الفعل وَالأسماء المتصلة بالأفعال كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة والآلة والموضع، إذ لا تجد فعلًا ولا اسمًا متصلًا به إلا وهو في الأصل مَصْدَرٌ قد غُيِّر غالبًا إما بالحركات كضَرب وَضُرِبَ أوْ بالحروف كيضرب وَضارب ومضروب، وأما الاسم الصريح الذي لا اتصال له بالفعل فكثير منه خَالٍ من هذا المعنى كرجُل وَفَرس وَجَعْفَر وَسَفَرْجَل، لا تغيير في شئ منها عن أصل ومعنى تركيب " ف غ ل " مشترك بين جميع الأفعال وَالأسماء المتصلة بها، إذ الضَّرْب فعل، وكذا القَتْلُ وَالنَّوْمُ، فجعلوا ما تشترك الأفعال والأسماء المتصلة بها في هيئته اللفظية مما تشترك أيضًا في معناه، ثم جعلوا الفاء والعين واللام في مقابلة الحروف الأصلية، إذ الفاء والعين واللام أصول، فإن زادت الأصول على الثلاثة كَرَّرْتَ اللام دون الفاء والعين، لانه لما لم يكن بد في الوزن من زيادة حرف بعد اللام لأن الفاء والعين واللام تكفي في التعبير بها عن أول الاصول وثانيها وثالثها كانت الزيادة بتكرير أحد الحروف التى في مقابلة الأصول بعد اللام أولى، ولما كانت اللام أقرب كُرِّرَتْ هي دون البعيد فإن كان في الكلمة المقصودة وَزْنُها حرفٌ زائد فهو على ضربين: إن
كانت الزيادة بتكرير حرف أصلي كتكرير عين قَطَّع أو لام جَلْبَبَ كُرِّرَت العين في زن الاول نو فَعَّل واللام في وزن الثاني نحو فَعْلَلَ، ولا يُورَدُ ذلك المزيدُ بعينه، فلا يقال: فَعْطَلَ وَلاَ فَعْلَبَ، تنبيهًا في الوزن على أن الزائد حصل مِنْ تكرير حرف أصلي، سواء كان التكرير للالحاق كقردد (١) أو
_________
حرف أصلى، وإن لم تزد على الثلاثة فالمثلان فيها أصليان كمد وعد وبر وجب (١) قردد: اسم جبل، وما ارتفع من الارض، ومن الظهر أعلاه، ومن الشتاء شدته وحدته، ويقال: جاء بالحديث على قردده: أي وجهه (*)
1 / 13
لغيره كقطع، وإن لم تكن الزيادة بتكرير حرف أصلي أُوْرِدَ في الوزن تلك الزيادة بعينها، كما يقال في ضارب: فاعل، وفي مصروب: مفعول الوزن التصغيري وقد ينكسر هذا الأصل الممهَّد في أوزان التصغير، إذ قصدوا حَصْرَ جميعها في أقرب لفظ وهو قولهم: أوزان التصغير ثلاثة فعيل، وفعيعل، وفعيعيل، ويدخل في فُعَيْعِل دُرَيْهِمٌ مع أن وزنه الحقيقي فُعَيْلِلٌ، وأُسَيْوِدُ وهو أُفَيْعل، وَمُطَيْلِق وهو مُفَيْعِل، وَجُوَيْرِب وهو فُوَيْعِل، وحُمَيِّر وهو فُعَيِّل، ويدخل في فُعَيْعِيلٍ عُصَيْفِيرٌ وهو فُعَيْليلٌ، ومُفَيْتِيحٌ وهو مُفَيْعيل، ونحو ذلك، وإنما كان كذلك لأنهم قصدوا الاختصار بحصر جميع أوزان التصغير فيما يُشْتَرَكُ فيه بحسب الحركات المعينة والسكنات، لا بحسب زيادة الحروف وأصالتها، فإن دُرَيْهمًا مثلًا وأُحَيْمَرَ وَجُدَيْوِلا ومُطَيْلِقًا تشترك في ضم أول الحروف وفتح ثانيها ومجئ ياء ثالثة وكسر ما بعدها، وإن كانت أوزانه في الحقيقة مختلفةً باعتبار أصالة الحروف وزيادتها، فقالوا لما قصدوا جمعها في لفظ للاختصار: إن وزن الجميع فعيعل، فوزنوها بِوَزْن يكون في الثلاثي دون الرباعي، لكونه أكثر منه، وأقدم بالطبع، ثم قصدوا ألا يأتوا في هذا الوزن الجامع يزيادة إلا من نفس الفاء والعين واللام، إذ لابد للثلاثي - إذا
كان على هذا الوزن - من زيادة، واختيار بعض حروف " اليوم تنساه " للزيادة دون بعض تحكمٌ، إذ لو قالوا مثلًا أفيعل باعتبار نحو أحيمر أو مُفَيعل باعتبار نحو مُجَيْلِس أو فُعَيِّل باعتبار نحو حُمَيِّر أو غير ذلك كان تحكمًا، فلم يكن بُدٌّ من تكرير أحد الأصول، وفي الثلاثي لا تكون زيادة التضعيف في الفاء فلم يقولوا فُفَيْعل، بل لا تكون إلا في العين كزرق (١) أو في اللام كمهدد (٢) وقردد،
_________
(١) الزرق بوزان سكر طائر صياد وبياض في ناصية الفرس والجمع زراريق (٢) مهدد: اسم امرأة، قال ابن سيده: وإنما قضيت على ميم مهدد أنها أصل (*)
1 / 14
فلو قالوا فعيلل لالتبس بوزن جعيفر، أعني وزن الرباعي المجرد عن الزيادة، وهم قصدوا وزن الثلاثي كما ذكرنا، فكرروا العين ليكون الوزن الجامع وَزن الثلاثي خاصة، وإن لم يقصدوا الحصر المذكور ورنوا كل مصغر بما يليق به، فقالوا: دُرَيْهِمٌ فعيلل، وحمير فُعَيِّل، وَمُقَيْتِل مُفَيْعِل، ونحو ذلك.
هذا، وقد يجوز في بعض الكلمات أن تُحْمَلَ الزيادة على التكرير، وأن لا تحمل عليه، إذا كان الحرف من حوف " اليوم تنساه " وذلك كما في حلتيت، يحتمل أن تكون اللام مكررة كما في شِمْليلٍ فيكون وزنه فعليلا فيكون ملحقا بقنديل، وأن يكون لم يقصد تكرير لامه وإن اتفق ذلك، بل كان القصد الى زيادة الياء والتاء كما في عفريت (١) فيكون فعليتا، وكذا سمنان: إما أن يكون مكرر اللام للإلحاق بِزِلزَال، أو يكون زيد فيه الألف والنون لا للتكرير بل كما زيد في سَلْمَان، ولا دليل في قول الحماسي: - ١ - نَحْوَ الأُمَيْلِحِ من سمنان مبتكرا * * بفتية فيهم المرار والحكم (٢) - بمنه صرف سَمْنَانَ - على كونه فَعْلانَ، لجواز كونه فَعْلاَلًا وامتناعُ صرفه لتأويله بالأرض والبقعة لأنه اسم موضع، قال المصنف: لا يجوز أن يكون مكرر
اللام للإلحاق لأن فَعْلاَلًا نادر كخَزْعال، ولا يلحق بالوزن النادر، ولقائل أن يقول: إن فَعْلاَلًا إذا كان فاؤء ولامه الأولى من جنس واحد نحو زلزال (٣)
_________
لانها لو كانت زائدة لم تكن الكلمة مفكوكة وكانت مدغمة كمسد ومرد، وهو (مهدد) فعلل اه وقال سيبويه: الميم من نفس الكلمة، ولو كانت زائدة لادغم الحرف مثل مفر ومرد، فثبت أن الدال ملحقة، والمحلق لا يدغم اه (١) العفريت: النافذ في الامر المبالغ فيه مع دهاء (٢) الاميلح: ماء لبنى ربيعة، وسمنان تقدم ذكره، ومبتكرا: ذاهبا في بكرة الهار، وهى أوله، والمرار والحكم أخو الشاعر، وهو زياد بن منقذ (٣) الزلزال: التحريك الشديد، والخلخال: حلى يلبس في الساق، وخلخال: بلد ويقال: ثوب خلخال، أي رقيق (*)
1 / 15
وخلخال غير نادر اتفاقا، فهلا يجوز أن يكون سمنان ملحقا به، وليس نحو زَلْزَال بِفَعْفَال على ما هو مذهب الفراء كما يذكره المصنف في باب ذي الزيادة، ولا يجوز أن يكون التاءان أصليتين في حلتيت وكذا النونا ن في سمنان لما سيجئ من أن التضعيف في الرباعي والخماسي لا يكون إلا زائدًا إلا أن يُفْصَلَ أحد الحرفين عن الآخر بحرف أصلي كزَلْزَال على ما فيه من الخلاف كما سيجئ، ولا يجوز أن يكون كرر اللام فيهما لغير الألحاق كما في سُودَدٍ (١) عندَ سيبويه لأن معنى الالحاق حاصل فيهما، وإنما امتنع ذلك في نحو سودد عند سيبويه (١) لعدم نحو جُخْدَب عنده وأما نحو سُحنون وعُثنون فهما مكررا اللام للإلحاق بعُصْفور، ولا يجوز أن يكون زيد الواو والنون كما في حَمْدُون لعدم فُعْلُون في أبنيتهم، وأما سَحْنُون - بفتح الفاء - فليس بمكرر اللام للإلحاق بصَعْفُوقٍ، لأنه نادر، ولا يلحق بالنادر، وليس التكرير لغير الألحاق كما في سُودَدٍ (١) لعدم فعول مكرَّرَ اللام
فهو إذن فَعْلُون لثبوت فعلون في الأعلام خاصة، وسَحْنُون علم وأما بُطْنَان فليس بمكرر اللام، لأنه جمع بطن (٢)، وليس فعلال من
_________
(١) هذا الكلام الذي ذكره الشارح هاهنا في كلمة سؤدد مخالف لما سيأتي له، فقد قال في مبحث الالحاق: وَلا تلحق كلمة بكلمة مزيد فيها إلا بأن يجئ في الملحقة ذلك الزائد بعينه في مثل مكانه، ولهذا ضعف قول سيبويه في نحو سؤدد إنه ملحق بجُنْدَبٍ المزيد نونه، وقوي قول الأخفش إنه ثبت نحو جُخْدَب وإن نحو سؤدد ملحق به.
وقال في باب الاعلال عند التعليل لتصحيح كلمة عُلْيَب: وَهو عند الأخفش ملحق بجُخْدَب وعند سيبويه للإلحاق أيضًا كسؤدد وإن لم يأت عنده فُعْلَل اه فهاتان العبارتان صريحتان في أنه يرى أن مذهب سيبويه أن كلمة سؤدد ملحقة بنحو جندب (٢) الذي قاله المصنف هنا هو الذي ذكره المجد في القاموس والجوهري في (*)
1 / 16