146

Sharḥ Riyāḍ al-Ṣāliḥīn

شرح رياض الصالحين

منزلة الوالد وحقه على ولده
وعن حديث ابن عمر قال: كانت تحتي امرأة، وكنت أحبها، وكان عمر يكرهها.
وعمر بن الخطاب هو الفاروق الذي فرق الله ﷿ به بين الحق والباطل، فـ ابن عمر كان متزوجًا امرأة، وكان يحب هذه المرأة، وأبوه عمر بن الخطاب كان يبغضها، وعمر بن الخطاب ليس من أهل الهوى، ومن يحبه عمر فهو إنسان مؤمن، فقد كان عمر مع الحق دائمًا، فكان يكره هذه المرأة لشيء فيها، وكان لا يطيقها، فقال لابنه: طلقها.
فذهب فقال للنبي ﷺ: (إن أبي لا يحب هذه المرأة، وأنا أحبها ولست أكرهها، فقال النبي ﷺ: طلقها) أي: اسمع كلام أبيك وطلقها.
فما كان منه إلا أن طلق هذه المرأة.
فهل - يا ترى - لو أن إنسانًا كانت أمه لا تحب امرأته يذهب فيطلقها؟
الجواب
لا؛ فأمه أوبوه ليسا كـ عمر بن الخطاب فـ عمر يحب لله ﷿، ويحب في الله ﷾، وإذا كره كره لله سبحانه وفي الله سبحانه، فمن كان مثل عمر فإنه يطاع في هذا الشيء.
وفي حديث أبي الدرداء أن رجلًا أتاه فقال: إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها.
فهذا رجل يستفتي أبا الدرداء رضي الله ﵎ عنه في أنه متزوج امرأة وأمه تكره هذه المرأة وتأمره بطلاقها، فتوسط أبو الدرداء في الأمر لأن أم الرجل ليست كـ عمر، وأخبره بحديث عن النبي ﷺ ليفكر في أمره، فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (الوالد أوسط أبواب الجنة) يعني: حبك لأبيك وطاعتك لأبيك تدخلك الجنة من أوسط أبوابها، فالوالد باب واسع لدخول الجنة، قال: (فإن شئت فأضع ذلك الباب أو فاحفظه).
ولاحظ هنا أنه توسط في الفتوى، فما قال: طلق، وما قال: لا تطلق؛ إذ يحتمل أن تكون الأم مصيبة في أنها تكره هذه الفتاة، فطلاقها أفضل، ويمكن أن تكون مخطئة في هذا الشيء، فأعطاه قاعدة، وهي أن حبك لأبيك وأمك وبرك بأبيك وأمك أوسط أبواب الجنة، فإذا استطعت أن توفق بين زوجتك وبين أمك كان ذلك خيرًا، وإلا فعليك أن ترضي والديك بما يرضيان به عنك قدر المستطاع.
وإذا كنت ساكنًا مع زوجتك في البيت الذي فيه أمك وأبوك وكانت أمك لا تطيقها ولا أبوك فانتقل إلى مكان آخر وإذا كنت عازمًا على أن تبقي على زوجتك وعلى أهلك فلا تؤذ أمك بها ولا تفارقها وتطلقها، فذلك ممكن.
والطلاق بغيض، ولكن الإنسان إذا رأى زوجته تؤذي أمه وتتعمد إهانتها فالأفضل أن يطلقها؛ إذ لا تستحق أن تكون معه، وإذا كانت زوجته لا تؤذي أحدًا وكان الشقاق من أمه فليبعد هذه عن هذه ويحاول أن يكون كيسًا في تصرفاته مع الطرفين، ولا نأمره بالطلاق ولا نقول له: أغضب والدتك واتركها تتضجر، ولكن نقول له: كن منتبهًا دائمًا، واعلم أن الإحسان إلى الأم والأب أوسط أبواب الجنة، فلا تضيع هذا الباب، ورغم أنف امرئ أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، كما جاء عن النبي ﷺ.
نسأل الله ﷿ أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وعلى صلة الأرحام.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمين.

14 / 13