125

Sharḥ Riyāḍ al-Ṣāliḥīn

شرح رياض الصالحين

خير الجيران عند الله تعالى
وعن عبد الله بن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره).
رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
خير الأصحاب خيرهم لصاحبه، وجاء في الحديث الآخر: (ما تحاب الرجلان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حبًا لصاحبه).
إذا كان الرجلان متحابين في الله ﷿، فأحبهما إلى الله ﷿ الذي يحب صاحبه أكثر.
فهنا علمنا النبي ﷺ أن خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، فلا يصاحبه لأجل الدنيا أو يريد أن ينتفع منه أكثر نفعًا، ولكن يحبه في الله ﵎، وكلما ازدادت المحبة كان أقرب إلى الله.
وقوله ﷺ: (وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره).
فالدين يعلمك إن تعمل العمل ولا تنتظر المكافأة عليه من الناس؛ لأنك إذا انتظرت المكافأة من الناس فإنهم سيتعبون منك، فاعمل لله ﵎، ولا تنتظر أجرًا ولا مدحًا ولا شكرًا من الناس؛ لكن انتظر الأجر من الله ﷿.
والمعاملة مع الناس متعبة ومع الله مريحة جدًا، فالمسلم يتعامل مع الله، فيحب في الله لأجل أن يحبه الله ﷿.
ويكرم جاره لكي يكون أفضل عند الله ﵎، فلا يكرمه لأجل أن يبادله بالإكرام.
والجار إذا تغاضى عن جاره ونظر للأجر والثواب عند الله ﷿ وأن الأجر على قدر العمل والمشقة فإنه سيستريح من الجار ومن الناس لأنه انتظر من الله ﷿ خيره وبره ورحمته سبحانه.
والمؤمنون يتفاوتون في درجات الجنة، فبعضهم أعلى درجة من البعض الآخر، لأنهم كانوا أحسن خلقًا ويكرمون الجيران وكانوا خير الأصحاب.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يتسابقون في ذلك، فقد جاء الحديث أن رجلًا أراد أن يصلح جدرا حائطه فاعترضته نخلة كانت لجاره، ولا يتم إصلاح الجدار إلا بإزالتها، فذهب إلى جاره يستأذنه بإزالتها فرفض، ثم عرض عليه أن يبيع له هذه النخلة فرفض، فذهب إلى النبي ﷺ وأخبره بالخبر فقال النبي ﷺ للرجل: (أعطها له ولك نخلة في الجنة، فقال: لا أريد، فسمع أبو الدحداح رضي الله ﵎ عنه ذلك، فقال: أنا أشتريها منه يا رسول الله، فذهب إلى الرجل وساومه على أن يعطيه حائطه ثمن هذه النخلة، وكان في هذا الحائط ستمائة نخلة، فوافق الرجل.
فذهب أبو الدحداح إلى امرأته وأولاده وقد كانوا في الحائط فناداهم بأن يخرجوا من الحائط)، أي: فإنه قد باعه بنخلة في الجنة، فأخذ زوجته وأولاده وترك الحائط لهذا الإنسان وصارت له نخلة في الجنة، والنخلة في الجنة شيء عظيم جدًا، ولكن هذا الجار بخل، ولذلك ساء خلقه ولم يستجب لأمر النبي ﷺ لكن أبا الدحداح ﵁ عرف وعد النبي ﷺ وما في الجنة من أشياء عظيمة، فلما مات أبو الدحداح ومشى النبي ﷺ في جنازته فقال: (كم من عذق رداح لـ أبي الدحداح)، والعذق هو العرجون.
أي: كم من نخيل كثير لهذا الرجل العظيم أبي الدحداح مقابل ما فعله، وكان هينًا عليه أن يفعل ذلك؛ لأنه رباه النبي ﷺ على حب الله ﷿، وعلى حب رسوله ﷺ وعلى إكرام المسلمين؛ فرضي الله ﵎ عنه.
إذًا: خير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره، والإنسان يكرم جاره ولا ينتظر منه جزاءً ولا شكورًا، لكي ينال الفضل من الله ﵎.

13 / 13