واعتوره القوم بالضرب حتى ظنوا أنهم قد قتلوه، وأصبح وبه رمق، فبلغ ذلك زيادا وهو في الأزد، فجاؤوا
فارتثّوه، فلم يلبث أن مات فقبره اليوم بفناء قبر أبي رجاء العودي، فعيّرهم ذلك البعيث وجرير
أيضًا:
قال أبو عبيدة: حتى إذا غمّ جرير نساء بني مجاشع وقد كان الفرزدق حج، فعاهد الله، بين الباب
والمقام، أن لا يهجوا أحدًا أبدًا، وأن يقيد نفسه، ولا يحل قيده حتى يجمع القرآن. قال أبو عبيدة:
فحدثني مسحل بن كسيب قال: حدثتني أمي زيداء بنت جرير قالت: فمر بنا الفرزدق حاجًا، وهو
معادل النوار بنت أعين بن ضبيعة امرأته، حتى نزل بلغاط، ونحن بها، فأهدى له جرير، ثم أتاه
فاعتذر إليه من هجائه البعيث، وقال فعل وفعل، ثم أنشده جرير والنوار خلفه في فسيطيط صغير،
فقالت: قاتله الله، ما أرق منسبته وأشد هجاءه - المنسبة أرادت التشبيب بالنساء - فقال لها الفرزدق:
أترين هذا، أما إني لن أموت حتى أُبتلى بمهاجاته. قال: فلم يلبث من وجهه حتى هجا جريرًا، فقدم
الفرزدق البصرة، وقيد نفسه، وقال توبة من الشعر:
ألم تَرنَي عاهدتُ ربي وإنني ... لَبينَ رِتاجٍ قائمًا ومَقام
على حَلفَةٍ لا أشتِمُ الدهرِ مُسلمًا ... ولا خارجًا من فِيَّ سُوءُ كلام
الرتاج باب البيت، ويروى ولا خارجًا من فيّ زور كلام. قال: وبلغ نساء بني مجاشع فحش جرير
بهن، فأتين الفرزدق مقيدًا فقلن: قبّح الله قيدك، فقد هتك جرير عورات نسائك فلُحيت شاعر قوم، فأحفظنه