303

Sharḥ Nahj al-Balāgha

شرح نهج البلاغة

Editor

محمد عبد الكريم النمري

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition

الأولى

Publication Year

1418 AH

Publisher Location

بيروت

وهذا أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو سيد البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يمدح الكوفة وأهلها عقيب الانتصار على أصحاب الجمل ، بما قد ذكرنا بعضه وسنذكر باقيه ، مدحا ليس باليسير ولا بالمستصغر ، ويقول للكوفة عند نظره إليها : أهلا بك وبأهلك ! ما أرادك جبار بكيد إلا قصمه الله . ويثني عليها وعلى أهلها حسب ذمه للبصرة وعيبه لها ودعائه عليها وعلى أهلها ، فلما خذله أهل الكوفة يوم التحكيم ، وتقاعدوا عن نصره على أهل الشام ، وخرج منهم الخوارج ، ومرق منهم المراق ، ثم استنفرهم بعد فلم ينفروا ، واستصرخهم فلم يصرخوا ، ورأى منهم دلائل الوهن وأمارات الفشل ، انقلب ذلك المدح ذما ، وذلك الثناء استزادة وتقريعا وتهجينا .

وهذا أمر مركوز في طبيعة البشر ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك ، والقرآن العزيز أيضا كذلك ، أثنى على الأنصار لما نهضوا ، وذمهم لما قعدوا في غزاة تبوك ، فقال : ' فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله . . . ' الآيات ، إلى أن رضي الله عنهم ، فقال : ' وعلى الثلاثة الذين خلفوا ' أي عن رسول الله ' حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت . . . ' الآية .

نبذ من فضائل الإمام علي

روى علي بن محمد بن أبي سيف المدائني عن فضيل بن الجعد ، قال : آكد الأسباب في تقاعد العرب عن أمير المؤمنين أمر المال ، فإنه لم يكن يفضل شريفا على مشروف ، ولا عربيا على عجمي ، ولا يصانع الرؤساء وأمراء القبائل كما يصنع الملوك ، ولا يستميل أحدا إلى نفسه ، وكان معاوية بخلاف ذلك ، فترك الناس عليا والتحقوا ؛ فشكا علي عليه السلام إلى الأشتر تخاذل أصحابه ، وفرار بعضهم إلى معاوية ، فقال الأشتر : يا أمير المؤمنين ، إنا قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة وأهل الكوفة ، ورأي الناس واحد ، وقد اختلفوا بعد ، وتعادوا وضعفت النية ، وقل العدد ، وأنت تأخذهم بالعدل ، وتعمل فيهم بالحق ، وتنصف الوضيع من الشريف ؛ فليس للشريف عندك فضل منزلة على الوضيع ، فضجت طائفة ممن معك من الحق إذ عموا به ، واغتموا من العدل إذ صاروا فيه ، ورأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء والشرف ، فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا ، وقل من ليس للدنيا بصحب ، وأكثرهم يجتوي الحق ويشتري الباطل ، ويؤثر الدنيا ، فإن تبذل المال يا أمير المؤمنين تمل إليك أعناق الرجال ، وتصف نصيحتهم لك ، وتستخلص ودهم ، صنع لك يا أمير المؤمنين ! وكبت أعداءك ، وفض جمعهم ، وأوهن كيدهم ، وشتت أمورهم ، إنه بما يعملون خبير .

Page 117