300

Sharḥ Nahj al-Balāgha

شرح نهج البلاغة

Editor

محمد عبد الكريم النمري

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition

الأولى

Publication Year

1418 AH

Publisher Location

بيروت

وهذا أيضا غير صحيح ، لأنه لا خصوصية للرأس في ذلك ، فإن اليد والرجل إذا أدنيتهما من شخص ، ثم حرفتهما فقد انفرج ما بين ذلك العضو وبينه ، فأي معنى لتخصيص الرأس بالذكر ! .

فأما قوله : أنت فكن ذاك ، فإنه إنما خاطب من يمكن عدوه من نفسه كائنا من كان ، غير معين ولا مخصص ؛ ولكن الرواية وردت بأنه خاطب بذلك الأشعث بن قيس ، فإنه روي أنه قال له عليه السلام وهو يخطب ويلوم الناس على تثبيطهم وتقاعدهم : هلا فعلت فعل ابن عفان ! فقال له : إن فعل ابن عفان لمخزاة على من لا دين له ، ولا وثيقة معه ، إن امرأ أمكن عدوه من نفسه يهشم عظمه ، ويفري جلده ، لضعيف رأيه مأفون عقله . أنت فكن ذاك إن أحببت ، فأما أنا فدون أن أعطي ذاك ضرب بالمشرفية . . . الفصل .

ويمكن أن تكون الرواية صحيحة ، والخطاب عام لكل من أمكن من نفسه ، فلا منافاة بينهما .

وقد نظمت أنا هذه الألفاظ في أبيات كتبتها إلى صاحب لي في ضمن مكتوب اقتضاها ، وهي :

إن امرأ أمكن من نفسه . . . عدوه يجدع آرابه

لا يدفع الضيم ولا ينكر الذ . . . ل ولا يحصن جلبابه

لفائل الرأي ضعيف القوى . . . قد صرم الخذلان أسبابه

أنت فكن ذاك فإني امرؤ . . . لا يرهب الخطب إذا نابه

إن قال دهر لم يطع أو شحا . . . له فم أدرد أنيابه

أو سامه الخسف أبى وانتضى . . . دون مرام الخسف قرضابه

أخزر غضبان شددي السطا . . . يقدر أن يترك ما رابه خطب أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الخطبة ، بعد فراغه من أمر الخوارج ، وقد كان قام بالنهروان ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أما بعد ، فإن الله قد أحسن نصركم ، فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم من أهل الشام .

فقاموا إليه ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، نفدت نبالنا ، وكلت سيوفنا وانصلتت أسنة رماحنا ، وعاد أكثرها قصدا . ارجع بنا إلى مصرنا ، نستعد بأحسن عدتنا ، ولعل أمير المؤمنين يزيد في عددنا مثل ما هلك منا ، فإنه أقوى لنا على عدونا .

فكان جزابه عليه السلام : ' يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ' ، فتلكئوا عليه وقالوا : إن البرد شديد .

Page 114