226

Sharḥ Nahj al-Balāgha

شرح نهج البلاغة

Editor

محمد عبد الكريم النمري

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1418 AH

Publisher Location

بيروت

وروى نصر أيضا عن عمر بن سعد قال : قال معاوية لعمرو : يا أبا عبد الله ، إني أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى الله وشق عصا المسلمين ، وقتل الخليفة وأظهر الفتنة ، وفرق الجماعة وقطع الرحم ، فقال عمرو : من هو ؟ قال : علي ، قال : والله يا معاوية ما أنت وعلي بحملي بعير ، ليس لك هجرته ولا سابقته ، ولا صحبته ولا جهاده ، ولا فقهه ولا علمه . ووالله إن له مع ذلك لحظا في الحرب ليس لأحد غيره ، ولكني قد تعودت من الله تعالى إحسانا وبلاء جميلا ، فما تجعل لي إن شايعتك على حربه ، وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر ؟ قال : مصر طعمة ، فتلكأ عليه معاوية .

قال نصر : وفي هذا حديث غير عمر بن سعد : فقال له معاوية : يا أبا عبد الله ، إني أكره لك أن تتحدث العرب عنك أنك إنما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا ، قال عمرو : دعني عنك ، فقال معاوية : إني لو شئت أن أمنيك وأخدعك لفعلت ، قال عمرو : لا ، لعمر الله ما مثلي يخدع ، لأنا أكيس من ذلك ، قال معاوية : ادن مني أسارك ، فدنا منه عمرو ليساره ، فعض معاوية أذنه ، وقال : هذه خدعة ! هل ترى في البيت أحدا ؟ ليس غيري وغيرك . قلت : قال شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله تعالى : قول عمرو له : دعني عنك ، كناية عن الإلحاد ، بل تصريح به ، أي دع هذا الكلام لا أصل له ، فإن اعتقاد الآخرة ، وأنها لا تباع بعرض الدنيا من الخرافات .

وقال رحمه الله تعالى : وما زال عمرو بن العاص ملحدا ، ما تردد قط في الإلحاد والزندقة ، وكان معاوية مثله ، ويكفي من تلاعبهما بالإسلام حديث السرار المروي ، وأن معاوية عض أذن عمرو ، أين هذا من سيرة عمر ؟ وأين هذا من أخلاق علي عليه السلام وشدته في ذات الله ، وهما مع ذلك يعيبانه بالدعابة ! .

قال نصر : فأنشأ عمرو يقول :

معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل . . . به منك دنيا فانظرن كيف تصنع

فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة . . . أخذت بها شيخا يضر وينفع

وما الدين والدنيا سواء وإنني . . . لآخذ ما تعطي ورأسي مقنع

ولكني أغضي الجفون وإنني . . . لأخدع نفسي ، والمخادع يخدع

وأعطيك أمرا فيه للملك قوة . . . وألفى به إن زلت النعل أصرع

وتمنعني مصرا وليست برغبة . . . وإني بذا الممنوع قدما لمولع

Page 40