Sharh Nahj Balagha

Ibn Abi al-Hadid d. 656 AH
123

Sharh Nahj Balagha

شرح نهج البلاغة

Investigator

محمد عبد الكريم النمري

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1418 AH

Publisher Location

بيروت

فلما قدم رسوله على معاوية ، وقرأ كتابه ، بعث رجلا من بني عميس ، وكتب معه كتابا إلى الزبير بن العوام ، وفيه : بسم الله الرحمن الرحيم . . لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان : سلام عليك ، أما بعد ، فإني قد بايعت لك أهل الشام ، فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب ، فدونك الكوفة والبصرة ، لا يسبقك إليها ابن أبي طالب ، فإنه لا شيء بعد هذين المصرين ، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك ، فأظهرا الطلب بدم عثمان ، وادعوا الناس إلى ذلك ، وليكن منكما الجد والتشمير ، أظفركما الله ، وخذل مناوئكما ! فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سر به ، وأعمل به طلحة وأقرأه إياه ، فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية ، وأجمعا عند ذلك على خلاف علي عليه السلام .

جاء الزبير وطلحة إلى علي عليه السلام بعد البيعة بأيام ، فقالا له : يا أمير المؤمنين ، قد رأيت ما كنا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلها ، وعلمت رأي عثمان كان في بني أمية ، وقد ولاك الله الخلافة من بعده ، فولنا بعض أعمالك ، فقال لهما : ارضيا بقسم الله لكما ، حتى أرى رأيي ، واعلما أني لا أشرك في أمانتي إلا من أرضى بدينه وأمانته من أصحابي ، ومن قد عرفت دخيلته ، فانصرفا عنه وقد دخلهما اليأس ، فاستأذناه في العمرة .

طلب طلحة والزبير من علي عليه السلام أن يوليهما المصرين : البصرة والكوفة ، فقال : حتى أنظر . ثم استشار المغيرة بن شعبة ، فقال له : أرى أن توليهما إلى أن يستقيم لك أمر الناس . فخلا بابن عباس ، وقال : ما ترى ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، إن الكوفة والبصرة عين الخلافة ، وبهما كنوز الرجال ، ومكان طلحة والزبير من الإسلام ما قد علمت ، ولست آمنهما إن وليتهما أن يحدثا أمرا . فأخذ علي عليه السلام برأي ابن عباس . وقد كان استشار المغيرة أيضا في أمر معاوية ، فقال له : أرى إقراره على الشام ، وأن تبعث إليه بعهده إلى أن يسكن شغب الناس . ولك بعد رأيك . فلم يأخذ برأيه .

فقال المغيرة بعد ذلك : والله ما نصحته قبلها ، ولا أنصحه بعدها ما بقيت . دخل الزبير وطلحة على علي عليه السلام ، فاستأذناه في العمرة ، فقال : ما العمرة تريدان ؛ فحلفا له بالله أنهما ما يريدان غير العمرة ، فقال لهما : ما العمرة تريدان ، وإنما تريدان الغدرة ونكث البيعة ؛ فحلفا بالله ما الخلاف عليه ولا نكث بيعة يريدان ، وما رأيهما غير العمرة . قال لهما : فأعيدا البيعة لي ثانية ، فأعاداها بأشد ما يكون من الإيمان والمواثيق ، فأذن لهما ، فلما خرجا من عنده ، قال لمن كان حاضرا : والله لا ترونهما إلا في فتنة يقتتلان فيها . قالوا : يا أمير المؤمنين ، فمر بردهما عليك ، قال : ليقضي الله أمرا كان مفعولا .

لما خرج الزبير وطلحة من المدينة إلى مكة لم يلقيا أحدا إلا وقالا له : ليس لعلي في أعناقنا بيعة ، وإنما بايعناه مكرهين .

Page 143